قد يبدو العنوان غريبًا، أن تطلق على إنتاج القاص والروائي، الاستاذ حميد الربيعي من أن له مونادا خاصة بكتاباته، الأمر الذي يضع إنتاجه القصصي والروائي تحت مجهر فلسفي، قد تكون المونادا فكرة فلسفية كنواة يعمل الكاتب على تنميتها في كل عمل له، بحيث تلازمه وتتغذى من السياقات العامة لإنتاجه، وقد تكون نواة تتوالد في ذاتها ولذاتها بوصفها جوهرًا روحيًا وماديًا، لايمكن التخلي عنه في أي نص، والمونادا فكرة فلسفية طرحها الفيلسوف الألماني ليبنتز، وأصبحت الحجيرة الفكرية التي تنطلق منها بنية العمل. "والمونادات، ذرّات روحيّة لا متناهية ولا تقبل التجزئة، غير قابلة للفناء، يتكوّن منها كل شيء، وهي أساس الوجود إنها جواهر روحيّة، لا جواهر مادّيّة. ويعد ليبنتز الذرّة الروحيّة طاقة، وإنه يقترب من المفهوم الحديث للطاقة. إن الذرّة الروحيّة هي أساس العالم الطبيعي. فالعالم أو الوجود المادّي ما هو إلا تجمع المونادات، ويسمّى العالم الحقيقي، وهكذا فالوحدات أو العناصر التي يتكون العالم منها: هي الذرّات الروحيّة. وعندما تتجمع الذرّات الروحيّة أو المونادات تكوّن العالم، إذن هي أساس العالم الطبيعي".موقع في الانترنيت.
في كل انتاج حميد الربيعي، ثمة فكرة محورية اسميتها سابقًا "الخميرة" أشبه ما تكون بالطينة التي ولد منها"آدم" و"حي بن يقظان". عجينة كونية عبارة عن مادة وروح مجتمعتان في صياغة التوليد. المونادا فلسفيًا في أعمال الاستاذ حميد الربيعي،عبارة عن تكوين من تكوينات اللاوعي المعرفي مؤلف من أزمنة وأمكنة وشخصيات وأفكار وأحداث ولغة من تلك الأزمنة والأمكنة، صيّرها القاص تكوينًا معرفيًا لكل إنتاجه، بحيث نجدها متشربة أسلوبه وشخصياته وأحداثه،وأفكاره، وكأنها الثيمة التي تولد وتحرك كل الأشياء في النص، لتصل في نهاية النص الى اندماج أنا المؤلف فيها عبر تمثله لمرجعيات تلك الشخصيات والأحداث والأفكار.
في مجموعته القصصية" غيمة عطر: وفي روايته "أحمر حانة" تكاد تتكرر المونادا نفسها، التي هي عبارة عن تكوين مؤلف من شخصية لا تنتمي لزمن معين، تراها موجودة في التراث وفي الحاضر، في بغداد القديمة وفي بغداد المعاصرة، تستعين بشخصيات تراثية ثانوية ترافق مسيرتها في النص، وتتداخل معها باحداثها القديمة والحديثة، لتكوين شخصية كونية لا تنتمي الى عصر معين بقدر ما تنتمي الى كل العصور، وحدث نشأ في زمن ومايزال مستمرًا في الزمن الحاضر، ومحتوى وجد في الآنية لكن جذوره تمتد في جذامير الماضي.الذي يمثله النص، وأسلوب يستعين بضمائر عديدة له وجود في الموروث وفي الحداثة، وفكرة كانت نواة وأصبحت الآن فكرة أساسية في النص. وأخيرًا لا نجد المؤلف إلا شخصية مؤلفة من عديد الشخصيات وقد تمثلت في النص كما لو أنها كائن كوني يحمل رسالة.
النص في تمثله للمونادا التي يعتمدها، ليس هو ببنية مادية ولا ببنية روحية، وهذا ما يجعل المونادا في عمله قديمة وتراثية، مادية وروحية، نص تراثي وآخر معاصر، امكنة القصور وأزقة بغداد الحديثة، شخصيات من اسطورة الكهف وأخرى من عامة الناس الذين يتجولون في البارات والمقاهي، معاصرة وحداثية، ليصبح النص من الأقوال الأصلية وليست أقوالًا من" تلك التي تحكى من أجل الاستمتاع، بل هي أقوال تحكى من أجل"الحكي". الكتابات الأصلية ليست تلك الكتابات التي تكتب من أجل القراءة؛ بل هي كتابات تكتب من أجل "الكتابة"، هذا ما يقوله علي شريعتي في كتابه"الصحراء".ص 286.
في القص العراقي الحديث قلة من القاصين المتميزين اعتمدوا فكرة المونادا دون أن يتمثلوها كفكرة فلسفية، بل ثيمة محورية اكتشفوا فيها الإمكانية التي تطور اسلوبهم السردي، منهم القاص الكبير محمد خضير، والروائي المتجدد عبد الخالق الركابي، بحيث أنك تجدها في جميع أعمالهم. كما نجدها في أشعار البعض من شعراء الحداثة، وقد أصبحت الفكرة الملازمة لإنتاجهم، فللسياب وللبريكان ولسعدي يوسف ولأدونيس وللماغوط موناداتهم الخاصة، ومن الشعراء المحدثين: رعد عبد القادر، ونصير فليح، وسلمان دواود محمد، وموفق محمد، وكاظم الحجاج، وفوزي كريم، وفاضل العزاوي، وسامي مهدي، ورعد فاضل، مونادات خاصة بهم اعتمدوها بطريقة اللاوعي المعرفي لأعمالهم. ولنا عودة الى الموضع.