رحل يوم امس في المنفى الكندي ، طارق إسماعيل الاعظمي،  أوشكتُ ان ابكي فقد كانت خسارتي كبيرة في هذه الدنيا  ، بهذا النبأ المحزن. كان هذا الرجل مألوفاً ، عندي ، في صميم قلبي ، منذ عام 1955 حين التصق مع  شقيقته الكبرى ، نهوض إسماعيل ، بنضال الشعب مختاراً عضوية الحزب الشيوعي بترشيحٍ منها..  ظل طوال حياته ملتصقاً به ، مثل التصاق البشر بالآلهة.  عملنا معا سنوات طويلة ، صعبة وقاسية تحت أروع شمس ،  تشرق يوميا على مدينة البصرة.  كانت لنا حكايات مشتركة ، كثيرة في العمل الطلابي و في العمل الحزبي  السري،  كان فيها مثالياً ، حين كان إرهاب الدولة مرضاً عصبياً ملازماً لها،  لم ينقطع عن الوقوع تحت ظلها البشع.  ظلّت  طقوسه النضالية اليومية ، متميزة بالذكاء وروح التلمذة لرفاقه و زملائه  طوال مسيرته النضالية.   كان يروي لي عنها بكل المراحل.

  حين انقطعت الصلة  المباشرة ، بيننا،  اكتشف منفاها الأخير بكندا و كان منفاي بالمملكة الهولندية . عادت صلات الرفقة و الصداقة بيننا ، مثلما كانت   ،بكل زمان  الماضي الصعب،    حتى انه صار يعتبر مخابرتي التلفونية  من مدينته الثلجية الكندية ، بكل أسبوع او كل شهر ، واجباً مقدساً، ناقلاً صوته من كندا  بنفس روحيته الوفية،  الوثابة،  مستلهماً منها عزاء لوحدته المرضية القاسية ، مع زوجته الوفية ام زياد ، الباعثة في اعماقه املاً كبيراً،  غزير العلم و الفهم و الحساسية .

كنا  خلال السنوات العشرين الأخيرة نتبادل احاديث الماضي و الحاضر، حتى كانت اخر مكالمة قبل عشرة أيام بتمامها ، كان فيها متعباً إذ ساعدته رفيقة دربه الطويل ام زياد في تنظيم المكالمة التلفونية الأخيرة ، التي منحت نفسه بكل طاقتها لإسعاده . احسستُ ، بتلك المكالمة ، انها ربما تكون الأخيرة وان الموت اللعين  بانتظاره فكان يوم امس فاجعتي.

الى تلك المناضلة الصبور ام زياد والى أبنائه و احفاده والى رفاقه في الحزب الشيوعي بالبصرة  والى اصحابه بكل مكان ،   الصبر و السلوان،  آملاً أن لا تستولي عليهم  أحزان هذه الفاجعة  فقد اعطى طارق إسماعيل البصري الاعظمي عنايته بصوت مرتفع ، متحمساً لشعبنا الجريح .

لن يغيب طارق إسماعيل ، سنتمثله ، بوضوح حياته،  بغير حزن ، لأننا احببناه بحياته قبل موته .

يا كل من يعز عليه رحيل هذا المناضل النموذجي لا تحزنوا فقد نال مجدا عظيماً بكل لحظة من لحظات حياته  .

بصرة لاهاي في 25 – 2 – 2019

عرض مقالات: