كثيرون هم الابطال الذين سطروا ملاحم بطولية على دروب الحرية والنضال، الابطال الذين جعلوا الحتوف جسرا الى الموكب العابر، الابطال الشهداء الذين تركوا علامة بارزة في سماء النضال والتضحية والفداء. أنهم بيارق عالية  وشامخة على مر العصور، بيارق مرفرفة عازفة أبدا، شعار الوطن الحر والشعب السعيد. وأحد هؤلاء الابطال الشهداء الذين سجلوا لانفسهم ولشعبهم ولتاريخ الحركة اليسارية في العراق صفحة ناصعة، مكللة بحب الوطن والقومية والمبادئ، ولم يحصدوا شيئا غير الشهادة ،وذكرى طيبة  في قلوب من عاصروه واحبوه وعملوا معه في سنين النضال الطويلة، وخلودا ناصعا على مر التاريخ، أنه أحد الشيوعيين العراقيين الذي ظل صلبا يقاوم الظلم والاستغلال. انه الشهيد البطل عادل سليم.

تشرفت بمعرفة الشهيد عادل سليم في صيف عام 1975,  حينما تم نقل وظيفتي من محاسب في مديرية تنقيح التبغ في السليمانية الى محاسب في الامانة العامة للداخلية في المجلس التنفيذي للحكم الذاتي في اربيل حينذاك. واثناء وجودي في الوظيفة في اربيل، التقيت المناضل الكبير والوجه البارز في الحركة الوطنية العراقية والتحررية الكردية الشهيد عادل سليم .الشهيد كان في حينه مرشحا للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وعضوا في لجنة اقليم كردستان، التي كان مسؤولها المرحوم المناضل يوسف حنا يوسف( ابو حكمت)، علاوة على ذلك كان يشغل منصب الامين العام للنقل والمواصلات، اي بمنصب وزير في المجلس التنفيذي للحكم الذاتي  حينذاك. كنت بمعية الشهيد خيري القاضي( ابو زكي ) والاخرين، قد تعرفت جيدا على الشهيد اثناء عملي الحزبي في المكتب الاقتصادي للاقليم .

كان الشهيد مثالا رائعا للشيوعي العراقي، مناصرا في حياته لحقوق الانسان، ومنتقدا بليغا وصريحا لانتهاكات البعثيين في العلاقات الجبهوية، ملتزما ومخلصا في عمله الحزبي والوظيفي، ونموذجا راقيا في الاخلاق والمودة، والتصاقه بمبادئ الحزب واخلاصه للقضية الوطنية العراقية و القضية الكردية.  شجاعا في طرح افكاره ودفاعه عن مبادئ حزبه، وصارما في قراراته. كان متواضعا جدا، ومرنا في علاقاته الاجتماعية مع الرفاق في الحزب والوظيفة. كرس كل امكانياته الفكرية والثقافية والوظيفية في خدمة الناس. وبسبب افكاره التقدمية والانسانية والوطنية ودفاعه عن مصالح الطبقة العاملة والشغيلة والجماهير الشعبية، وايمانه بمبادئ الحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية وبعدالة القضية القومية الكردية، لقد دفع ضريبة باهضة الثمن من حياته، حيث قضى الشهيد سنوات عديدة في السجون والمعتقلات والتعذيب والتشرد والابعاد. 

كان الشهيد متفانيا ومخلصا في  وظيفته وفي عمله الحزبي وفي علاقاته الجبهوية، وكان ينال كل الاحترام من بقية الاطراف في الجبهة الوطنية مع حزب البعث المنحل، لكنه في الوقت ذاته كان صارما شديدا في طرح  افكاره التي تخدم مصلحة الحزب والطبقة العاملة. وقد واجه المقبور صدام حسين  وتحادثا سوية حول الخروقات التي كانت تحصل في بنود ميثاق الجبهة الوطنية. فكان دائما محل احترام وتقدير كبيرين. كان الشهيد وبما يمليه عليه واجبه الوطني والثوري مدافعا لمبادئ الحكم الذاتي انذاك في المجلسين التشريعي والتنفيذي علاوة على عمله الحزبي في الاقليم ومحلية اربيل.

وقف الشهيد بحزم وشجاعة كبيرين ضد سياسة التهجير القسري، التي مارسها النظام بعد فترة من اتفاقية الحكم الذاتي في مناطق كرميان وبهدينان والقرى المحاذية للحدود الايرانية، حيث تم تهجير اهلها الى المناطق الجنوبية من العراق. وقدم الشهيد في سياق هذه المسالة مداخلات عديدة و قيمة الى المجلسين، وفضح الممارسات الاجرامية للبعثيين في القضاء على الجبهة الوطنية وزج الشيوعيين والوطنيين في السجون والمعتقلات، ونواياهم الخبيثة في ابادة الشعب الكردي، ونتيجة لذلك اعفي الشهيد من  وظيفته كأمين عام للنقل والمواصلات لاقليم كردستان.

ساهم الشهيد في تنظيم قوات الانصار الشيوعيين (البشمركة) في الحركة التحررية الكردية، وكان له دور متميز مع المناضل والشهيد توما توماس في تطوير الوضع الداخلي لحياة الانصار، والتنسيق والعمل المشترك مع الاحزاب الكردية الاخرى التي  كانت لها دور كبير في الحركة التحررية الكردية في كردستان العراق واجزاء اخرى منه.

دأب الشهيد ان يجعل من اسرته مثالا للروح الوطنية والثورية والتفاني في حب الوطن والمبادئ وعلى خطاه، ولذلك كانت أم شمال زوجة الشهيد التي رحلت عنا ايضا قبل مدة قصيرة، مناضلة شجاعة وعنيدة في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، أفنت من عمرها الكثير ضد النظام الصدامي المقبور. وكان بيتها مفتوحا للمناضلين ايام النضال السري والعلني ومحبة للقضية الكردية، وناشطة في الجمعيات النسائية ومدافعة عن حقوق المرأة.

قبل اكثر من ثلاثين عاما فارقنا الشيوعي الواهب والخالد على طريق الخالدين فهد وصارم وحازم وسلام عادل وجمال الحيدري وغيرهم، وبذلك انظم الى لائحة الشهداء الشيوعيين، واستشهد نتيجة لدس السم في

 أحشاءه من قبل جلادي النظام المقبور، فقد ظنوا بذلك انهم يسكتوا صوته، لكنه ظل عاليا مدويا في  صفحات التاريخ، فاضحا  لممارساتهم الارهابية والقمعية ضد الشعب العراقي بكل مكوناته القوميه والعرقية. لقد قدم دمه الطاهر قربانا لفجر الاشتراكية الذي طالما حلم بمجيئه.

لقد غاب جسده عن محبيه واهله ورفاقه، لكنه بقي رمزا حيا للفخر والاعتزاز، رمزا للصمود والتضحية في سماءالحرية، رمزا للموت التراجيدي، وسيظل من الاسماء التي لاتنسى طالما بقي ضمير حي وذاكرة تحتضن الاحرار، سيظل حيا بين ظهرانينا.

عرض مقالات: