حدد المفكر الايطالي غرامشي في دراساته وكتاباته حول الثقافة والمثقفين، وجود المثقف داخل السيرورة التاريخية ودوره ووظيفته بالنسبة للطبقات الاجتماعية. وكان غرامشي يعتقد ان كل انسان يمكن اعتباره مثقفا بما يحمل من فكر ومعارف وتقاليد. وقسّم “ المثقف “ الى نوعين، هما المثقف التقليدي والمثقف العضوي.

والمقصود بالمثقف التقليدي ذاك الذي يرتبط بالطبقات الزائلة او في طريقها الى الزوال. وهنا غرامشي يتحدث عن وجود طبقات واضحة المعالم كتلك الموجودة في بيئته” ايطاليا” في النصف الاول من القرن العشرين، وهناك قوى صاعدة من طبقتي العمال والفلاحين يمكن لها ان تحل محل الطبقة البرجوازية او الراسمالية وتقيم حكما جديدا لطبقة جديدة.

اما المثقف العضوي فهو الذي يقوم بمهمة تاريخية تستند على اعادة انتاج الوعي عند المتلقي، من اجل ان يساهم هذا الاخير بالتغيير المنشود لما فيه مصلحة البشرية.

وفي بلاد لم يتضح فيها بعد التمايز الطبقي بمعناه التاريخي كبلادنا، حيث تتلاشى الحدود احيانا بين الطبقات لتظهر شرائح مجتمعية فيها بعض ملامح الطبقة، يكون دور المثقف اكثر تعقيدا! فالعشائرية والطائفية والمناطقية والحزبوية يمكن ان تنتج مجاميع من البشر تتلاشى فيها حدود الطبقة او الشريحة، وتشكل هذه “ عصا غليظة” في دولاب حركة المجتمع في اتجاه دولة مدنية، فيها فصل للسلطات وتحتكم لدستور عادل يستند على المواطنة والعدالة الاجتماعية، بعيدا عن قانون الغاب الذي يسحق الفقير والشرائح الكادحة والمهمشة.

هنا يبرز النوع الثاني من “ المثقف” الذي اسماه غرامشي بالعضوي ودوره التاريخي بعدم الانزلاق في “مطبات” التزمّت العشائري على حساب الدولة، او الترويج للطائفية او المناطقية على حساب التآخي والعيش المشترك بين مختلف المكونات في بلد “موزائيكي” ملون كقوس قزح!

هنا نتساءل كيف يستطيع المثقف العراقي ان يتعامل مع المهام الصعبة التي تواجهه يوميا في الشارع او في العمل او المدينة وان يعبر “السراط المستقيم” دون ان تنزلق قدمه ويحسب على المثقف التقليدي؟!

بمعنى آخر: كيف يستطيع ان يكون مثقفا” عضويا” ؟ أي ان يكون مؤثرا في حركة مجتمعه لاجل سعادة الناس وامنهم واطمئنانهم، دون خوف من عشيرة مدججة بالسلاح او طائفة لا ترى الحقيقة الا في مذهبها او منطقة ترى نفسها هي “ الاصل “ والبقية فروع ناتئة قابلة للزوال!

تاريخنا القريب على الاقل يحدثنا عن مثل هذا المثقف ونستطيع ان نشير الى ابرز من كان “عضويا” من خلال انتاجاته الابداعية، التي حفظها له التاريخ وتبناها الشعب، بغض النظر عن الانتماءات الطارئة، لكون تلك النتاجات لم تنظر للعراق الا لكونه خريطة كاملة من اعالي الجبال الى شط العرب ومن حدوده الشرقية، المبتلية بانواع عديدة من الالغام، الى تخوم الصحراء المترامية على اطراف حدوده الغربية.

العراق يزخر بمجموعة كبيرة من هؤلاء المثقفين العضويين: الشهيد يوسف سلمان يوسف ( فهد). الفنان الخالد جواد سليم. الشاعر الكبير مظفر النواب. العالم عبد الجبار عبدالله. العلامة مصطفى جواد. الاديب والاعلامي البارع شمران الياسري (ابو گاطع).

.. واترك القائمة مفتوحة ليكملها من يرغب !

عرض مقالات: