استقالت حكومة عبد المهدي غير مأسوف عليها، تحت وقع صراخ المتظاهرين الذين قدموا مئات الشهداء والاف الجرحى وعددا كبيرا من المعتقلين والمخطوفين. وبدل ان يعتذر رئيس الوزراء المستقيل، في يومه الاخير، من الشعب العراقي ويقدم له هدية بمناسبة شهر رمضان، ودّع شريحة المتقاعدين بايقاف رواتبهم من اجل ان يكبّل بديله بازمة جديدة!

الحكومة العراقية الجديدة تواجه عشرات الملفات التي يتوجب مناقشتها بجدية من اجل اعادة هيبة الدولة والسير على سكة التوافق الوطني التي يطرحها شرفاء هذا الوطن!

وهي حكومة مؤقتة او انتقالية لاجل اجراء انتخابات جديدة نزيهة وشفافة، على اساس قانون انتخابي جديد يضمن للمواطن صوته من دون بيع او شراء او تزوير!

ولكن كيف نستطيع ان نضمن اجراء انتخابات كهذه في ظل فساد بشعٍ، اغرق البلاد والعباد في خراب ما بعده خراب؟!

ولذلك فاننا نرى مفتاح الحل يكمن في معالجة ملف الفساد، ولا يمكن لرئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي وحكومته النجاح في هذه المهمة من دون اجماع يشترك فيه الشارع العراقي ممثلا بالمتظاهرين، وشعاراتهم ضد الفساد والفاسدين، وتوافق وطني من احزاب وشرائح ذات مشروع وطني طموح، بالاضافة للدعم الدولي االمساعد في انجاح هذه المهمة!

لقد اشار رئيس مجلس الوزراء لهذا الملف قائلا:

"الفساد استنزف الثروة التي دخلت خزائن العراق، ولم اجد وانا استلم المسؤولية الا خزينة شبه خاوية"! من هذا التصريح اجد مفتاح خارطة الطريق لوصول الكاظمي وشعبه الى البر الآمن، اذا ما اراد ذلك! وليس لدي شك في نياته الوطنية، لكن الرياح  تجري حسب هواها وليس حسب رغبة الربان الذي يقع عليه الجهد الاكبر في تغيير اتجاه تلك الرياح، كي لا تغرق السفينة!

ترى هل هناك ما جعل خزائن العراق خاوية غير الفساد؟!

وها هو رئيس الوزراء يشير اليه علانية مثلما أشار العديد من المسؤولين في قمة هرم السلطة!

ليس هذا فقط، بل هناك من تحدث بالملموس وامام الفضائيات عن مساهمته في الفساد مع زملاء له، وتم اتهام العديد من مؤسسات الدولة ابتداء من السلطات الثلاث مرورا بهيئات ووزارات وجهات كنا نعتقد بان الفساد لا يمكن ان يصيبها: الكهرباء والنفط وتراخيصه ( يقول الاختصاصيون ان تراخيص النفط رهنت النفط العراقي للشركات الاجنبية وتسببت في خسارة العراق لمليارات الدولارات سنويا ) والدفاع وصفقات تسليحه ( ومهزلة الانسحاب من الموصل  وتسليم ثلث الاراضي العراقية الى داعش)، والثقافة والتربية والخارجية والعمل والصناعة والزراعة والصحة والمالية والبنك المركزي والمصارف الاهلية وهيئات مثل النزاهة والسجناء والشهداء والوقفين السني والشيعي!!

وهكذا فان الفساد المالي والاداري وبيع المناصب وهدر المال العام تشترك فيه " مافيات" لا عد ولا حصر لها! ولن تقف مكتوفة الايدي، بل ستدافع عن نفسها وعن مصالحها بكل الاشكال، وحتى لو ادى ذلك الى اغراق العراق بالدم!

ان معالجة ملف الفساد هي الكفيل باعادة الهيبة للدولة العراقية ولجيشها وقواها الامنية، ولقرارها السياسي المستقل واعادة عجلة البناء!

ونحن لسنا اول من عانى من هذه الآفة، فهناك دول عديدة عانت ماسي مثلها. وما زالت تجربة ماليزيا في مكافحة الفساد ماثلة للعيان، عندما نجح مهاتير محمد في محاربته من خلال الاجراءات الصحيحة والحاسمة، لينقل بلاده الى مصاف الدول المتقدمة!

ان معالجة ملف الفساد تفتح الباب على مصراعيه للحلول السريعة لبقية الملفات، شرط تشكيل لجان نزيهة في قضاء عادل، في ظل قانون لا يرحم من ينتهكه مهما كان موقعه او صبغته!

فالفاسد مثل "العملة" لا دين له ولا طائفة ولا عرق ولا عشيرة!

عرض مقالات: