ابتداء لا بد من تسجيل الاعجاب بالفنان اياد راضي كممثل كوميدي من طراز متفرد، حيث اظهر طاقة خلاقة بتجسيد شخصيات متنوعة، وهو نادرا ما يكرر نفسه. لكن هناك اسفافا في الكوميديا في بعض اعماله المسرحية، مما جعل المتفرج ینأی بنفسه عن متابعة جهوده المثابرة لتحقيق نجومية من طراز مختلف.

الا ان ما قدمه راضي في حلقة "الطابق ١٥" قبل ايام، يختلف تماما عن بقية اعماله. اذ نراه ممثلا جادا بكل ما تحمل هذه الكلمات من معنى!

ومعني هذا انه اذا توفر "نص" خلاق، مكتوب بوعي لما يدور حولنا، مثل ما كتب المخرج المسرحي والكاتب السيناريست الشاب مصطفى الركابي، والمخرج التلفزيوني الشاب المبدع الذي يربط الاحداث بعين حاذقة سامر حكمت البيضاني، فان فنانا مثل اياد راضي يستطيع بكل امكاناته الحرفية والاكاديمية ان يحقق خطوة متقدمة في اتجاه الفنان "العضوي"، الذي يساهم في اعادة انتاج وعي المشاهد من خلال معاينة جوهرية لما يمر به الوطن من محن واشكالات. وهذا هو سر التعاطف الكبير من قبل المشاهدين مع هذه الحلقة من برنامج "كما..مات.. وطن"، التي صارت حديث مواقع التواصل والشارع على حد سواء!

اتفق الشابان مصطفى الركابي وسامر البيضاني على تقديم عمل فيه " فانتازيا"، يختلط فيه الوهم مع الواقع. الاموات حسب المفهوم الديني يبعثون يوم القيامة، الا انهم في عمل فنانينا ليسوا امواتا عاديين، بل مواطنين ذوو ضمائر حية، يحملون معهم هموم وطنهم وشعبهم، ويسترخصون دماءهم من اجل ان تشرق شمس تغير ما هو سائد من مشاكل وازمات! وقد جاء هؤلاء الافذاذ من شرائح مختلفة، فيهم الطبيب والمعلم والمضمد والكاسب والعامل والعاطل من الجنسين، حيث كان للمرأة في التظاهرات، التي ما زالت متواصلة، حضور غير مسبوق في كل تاريخ العراق السياسي!

وضمن هذه الفنتازيا الايجابية نرى الشهيد يأكل ويشرب ويدخن مع المتظاهرين، الذين لم يتاخروا في الاحتفاء بشهدائهم وبتواريخ استشهادهم. فالشهداء بالنسبة للمتظاهرين احياء في ضمائر الجميع.

" الطابق ١٥ " يتضمن رسالة تذكير الى رئيس الوزراء والحكومة الجديدة، بأن يبدأ الاقتصاص من القتلة باحالتهم الى محاكم فورية عادلة، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية او الطائفية!

الشهداء كانوا يحلمون بوطن جديد لا قتل فيه ولا اعتقالات او اختطافات ..وطن لا يكمم الافواه ..وطن يفتح ابواب الحرية واسعة.

الاوطان لا تموت مهما اشتدت آلة القمع، وسواء جاءت من داخل ام من خارج الحدود.

والمستقبل يرسمه هؤلاء الشبان، ادباء وفنانين ومتظاهرين، بدمائهم وبعطائهم!

عرض مقالات: