لا عجب في صلافة المنتفعين من المحاصصة والمتمسكين بها والمتعاملين حتى الآن على وفقها، حين يصرحون هذه الأيام بالضد منها، مصطنعين العفة والزهد بالمناصب. فقد إعتدنا منهم خطاب المداهنة والبهتان والتدليس.
لا عجب في تصاعد وتيرة التصريحات في الأيام الفائتة، بأن زعيم ذلك التحالف، او رئيس تلك الكتلة، او ممثل هذه الطائفة، رفض الإشتراك في الحكومة بدعوى رفضه المحاصصة! في وقت تابعت فيه الناس لهاثهم وراء المناصب، حيث لم يعقد إجتماع إلا وشاركوا فيه، ثنائيا كان أم خماسيا أم سباعيا، من اجل الحصول على حصة في الحكومة. وعندما لم ينالوا مرادهم في الموقع الذي طمحوا إليه، خرجوا علينا بتصريحات نارية تدين المحاصصة!
لا عجب في إطلاق تصريحات مناهضة للمحاصصة من قبل الذين أسسوا لمنهجها المقيت، ودافعوا عنه بشتى السبل. متصورين أن ذاكرة الشعب قصيرة، ولم تعد تستحضر أفعالهم الشنيعة ومواقفهم المدانة وما أكثرها، التي تعرّي زيف كلامهم المنمق وتكشف أسلوبهم المرائي.
والباعث على العجب ليس فقط اصرارهم على التشدق بالمواطنة تدليسا وكذبا، وهم الذين تهاوت صدقيتهم في أول امتحان لها، وبان زيفها، كما وليس هناك من ينسى خطابهم الطائفي المنفّر، وسلوكهم الحزبوي الضيق، وتهافتهم على اقتسام المناصب وكأنها غنائم حرب، أو إرث عائلي خاص بهم .
ما يبعث على العجب خصوصا هو إعتقادهم أن لا أحد يتابع لهاثهم وراء المناصب والمكاسب، او يجهل ان المقدس الذي يدعونه لم يحل دون قيامهم بأفعالهم الشنيعة من أجل المنافع التي تؤمنها لهم المحاصصة. ولم يردعهم أي عرف عن القيام بذلك. وهل تم تشريع قانون من دون ضمان مصالحهم وأتباعهم؟ ام ان علينا اعادة التذكير بقوانين الانتخابات ولمصلحة من كانت تسن؟ وكيف دارت الصراعات على تركيبة المفوضية ولأجل تحاصص المواقع فيها؟
لا يتسع المجال هنا للتطرق الى تصريحات بعضهم ضد البعض الاخر حول عمليات التزوير، ثم السكوت السريع عنها والصمت المريب، حال إعادة إحتساب أرقام التزوير وفقا لمعادلة المحاصصة.
ويبلغ العجب قمته حين نلاحظ انهم لم يدركوا حتى الان، أن الموقف الصادق من المحاصصة، والرفض الجذري لمنهجها، لا يمكن أن يكون انتقائيا، او يأتي كرد فعل على عدم الحصول على الحصة الموعودة. وانما هو موقف متكامل، لا يربطه رابط بالمصالح الأنانية، وينطلق من إدراك كون المحاصصة أس الازمة وأساس تخريب العملية السياسية. وانها منبع الفساد الذي فاض وأغرق العراق خرابا. وان رفضها ينطلق من ادراك خطورة منطقها، الذي أوصل الأوضاع الى هذا الدرك، حيث تتنوع وتتشابك الازمات، وتبلغ الحال درجة تهديد الوضع المعيشي للناس، بشكل يصعب تصور تداعياته المأساوية، خاصة بالنسبة الى الفقراء وذوي الدخل المحدود.
ان رفض المحاصصة لا يمكن تصديقه اذا جاء تصريحا منعزلا عن منهج تغيير وإصلاح شامل.