ثمة انتقالة نوعية جديدة في مطالب المنتفضين، بعد تحول العراق الى ساحة لتصفية الحسابات بين أمريكا وإيران، وخرق الطرفين السيادة العراقية بوقاحة واستهتار فاضحين.
وهذه الانتقالة تؤشر بوضوح وبإصرار ثوري ان الخط البياني للانتفاضة البطولية في صعود دائم، حيث بدأ من المطالبة بالخدمات ومحاربة البطالة والفساد، ثم تصاعد الى رحيل الطبقة السياسية الفاسدة والإصرار على رئيس وزراء وطني مستقل وكفوء، ينهي الحقبة الظلامية التي عاشها العراق منذ 2003 وما قبلها، الى المطالبة بحقوق الوطن في ان يكون بعيدا عن صراعات الهيمنة والنفوذ بين الجار الشرقي وزعيمة الامبريالية العالمية.
ان هذا التجذر في اهداف وآليات عمل الانتفاضة، يتناسب طردياً مع ازدياد فشل الحكومة وتخليها عن ابسط واجباتها، وانحيازها الى أحد طرفي النزاع المنبثق أساسا من طبيعة النظام السياسي الحالي، ومتبنياته في المحاصصة الطائفية والحزبية، والاستقواء بالأجنبي. كذلك من ضياع الدولة وهيبتها في أروقة المليشيات والفصائل المسلحة، التي لم تدخر جهدا في محاولاتها المستميتة لوأد الانتفاضة بمختلف السبل الاجرامية، بدءاً من القناصين الذين اطلقت عليهم تسمية (الطرف الثالث) وهم معروفون للجميع، واولهم الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية، الى اختطاف الناشطين واغتيالهم بدم بارد وبخسة الجبناء، ثم الاندساس في صفوف المتظاهرين لتشويه سلمية التظاهرات والاعتصامات، وتوظيف الجيوش الالكترونية وعدد غير قليل من الفضائيات لبث سمومها في الإساءة الى الانتفاضة وابطالها، واتهامهم بأكاذيب واختلاقات مقرفة، ان دلت على شيء فإنما تدل على رعبهم من غضب الشعب واصراره على ازالتهم من المشهد السياسي، الذي لوثوه بأفعالهم الدنيئة واساليبهم الملتوية، وعلى إنقاذ الشعب والوطن من حكمهم الظالم والفاشل والمخزي في آن.
لقد راهن أعداء الانتفاضة على ان هذه الأساليب اللا أخلاقية وغير الشرعية، كفيلة بإطفاء شعلة الانتفاضة والانتهاء منها كما حصل في أماكن ليست بعيدة.
لكن الذي فات هؤلاء الأعداء، هو ولادة جيل شبابي تجاوز مرحلة التشكي والتذمر الى مرحلة الفعل والمبادرة لإصلاح النظام السياسي، الامر الذي يفسر الصمود الأسطوري لهذه الأجيال الجديدة، رغم اشتغال آلة القمع بكامل طاقتها الإنتاجية، ورغم المماطلة والتسويف واللعب على الحبال.
ان المنتفضين لم ينسوا أياً من مطالبهم العادلة والمشروعة، وبقي تشخيصهم الصائب بضرورة انجاز الخطوة الأولى في عملية الإصلاح والتغيير وهي استبدال الحكومة الفاشلة وحراسها والمتشبثين بها، بحكومة لا تنقصها الوطنية والكفاءة والنزاهة والقدرة على الاستجابة لمطالب المنتفضين التي هي مطالب الغالبية العظمى من الشعب العراقي، سواء ما تعلق منها بتلبية احتياجات الداخل او في صياغة علاقة سليمة متكافئة مع الخارج.
كما يدرك المتظاهرون الآن واكثر من أي وقت مضى، أهمية تلافي الفراغ القيادي للانتفاضة، من خلال زيادة التنسيق والتعاون والعمل المشترك بين التنسيقيات التي انبثقت من رحم الاحتجاجات والحراك الجماهيري، فضلا عن الاتفاق على بعض الأسماء المقبولة من قبلهم لرئيس الوزراء المقبل، وتفويت الفرصة على المتنفذين الملتصقين بكرسي السلطة بغراء مستورد من خارج الحدود، وعلى حيلهم في ترشيح شخوص يعرفون سلفاً انهم مرفوضون من الشارع العراقي، وبالتالي بقاء حكومة تصريف الاعمال الى اقصى ما يستطيعون من الوقت، او الاتيان برئيس وزراء (خردة) لا يخرج عن طوعهم!
كل ثلاثاء.. المطالبة بحقوق الوطن والدولة
- التفاصيل
- مرتضى عبد الحميد
- آعمدة طریق الشعب
- 2719