إن آفة المخدرات بكل أنواعها هي بمثابة القتل البطيء لملايين  البشر ولا يختلف اثنان ان التوسع الهائل في انتشارها في أكثرية المناطق والدول في العالم جاء نتيجة السعي لجني الارباح  وإخضاع الشعوب على الرغم  مما يعلن في الغرب الرأسمالي عن محاربتها وملاحقة العصابات المسؤولة عن تصديرها او توزيعها داخل البلدان التي اهملت في انتشارها اكثر فاكثر، وأشار تقرير صادر  عن الأمم المتحدة المعني أن اكثر من ( 275 )  مليون يتعاطون المخدرات في العالم وهم بازدياد مستمر وشُخص اكثر من ( 36 ) مليون يعانون من اضطرابات الإدمان والتعاطي، وأشار التقرير ان خلال " السنوات الـ 24 الماضية ازدادت بما يصل إلى أربع مرات في أجزاء من العالم" وربطت غادة والي  المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المخدرات والجريمة إن "ثمة ارتباط بين انخفاض إدراك مخاطر تعاطي المخدرات وارتفاع معدلات تعاطي المخدرات.

وهذا ما حدث في العراق من انتشار واسع النطاق للمخدرات والحبوب المخدرة وتعاطيها  بإدمان اكثر من السابق، نحن لسنا بصدد البحث تاريخياً عن وجود المخدرات في العراق، كيف ومتى ولماذا...الخ ذلك يحتاج الى بحوث طويلة ومصادر لا تحصى ومن باب الزيادة المفرطة في تدفق واستعمال المخدرات من كل الأصناف فقد لوحظ من خلال المؤسسات الأمنية وما تنشره وسائل الاعلام عن عشرات الاطنان من المخدرات المختلفة دخلت العراق لأسباب عديدة منها في المقدمة الفقر والبطالة وضنك العيش وانتشار المافيا المنظمة والميليشيات المسلحة وما تدر من أرباح طائلة وهي

 1 ــ الاستعمال الداخلي الذي ازدادت فيه اعداد المدمنين والساعين للحصول عليه وهي قضية لها محاذيرها وفي مقدمتها الصحة العامة

أ ــ زيادة التوزيع والاستخدام وخاصة بين الشباب والمراهقين، ونجد ان إعلان المديرية العامة في وزارة الداخلية العراقية ونشرته وسائل الإعلام حيث اعلنت المديرية العامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية التابعة الى وزارة الداخلية العراقية " عن ضبط ( 15 ) طناً من المؤثرات العقلية والرقائق الكيميائية في العاصمة بغداد"، كما أعلنت مديرية مكافحة المخدرات في محافظة أربيل عاصمة إقليم كردستان "عن ضبط أكثر من ( 120 * كغم من المواد المخدرة إضافة إلى خمس آلات إلكترونية تُستخدم في ممارسة القمار" وهناك الكثير من الوقائع والاخبار بخصوص الكميات التي ضبطت من قبل الأجهزة المسؤولة

ب ـــ الاضرار الناجمة على الصحة العامة وانتشار الامراض وفي مقدمتها السرطان

ج ـــ اتساع الجريمة المنظمة والجرائم الشخصية نتيجة التعاطي وكثرة التنويع

د ـــ  ظاهرة العصابات والمافيا التي تساهم في الترويج والارباح ، ونشرت جريدة طريق الشعب عن " القاء القبض خلال تسعة أشهر على (12 ) الف متهم وضبط عصابة تتاجر بالمخدرات وبحوزتها كميات غير قليلة من المخدرات كالكريستال والحشيش" وهو غيض من فيض فالأخبار واعلانات وزارة الداخلية تشير الى اعداد اكثر بكثير على ما ينشر في وسائل الاعلام من حيث كميات المخدرات وانواعها والمتعاطين واعداد المتهمين وكثرة العصابات والمافيات في هذا المجال مع وجود ( 7 ) آلاف معتقل وحوالي ( 4 ) آلاف حُكم عليهم لمتاجرتهم او تعاطيهم المخدرات وتم الإعلان عن مدى الانتشار الواسع بمعدل ( 60 ) متهم يومياً حكم على ( 1500 ) شخص بتهم المتاجرة بالمخدرات المتنوعة

هـ ـــ الاضرار الكبيرة التي تدمر الاقتصاد الوطني وتضر الحياة المعيشية للمواطنين

2 ـــ العراق أصبح محطة لاستقبال وتصدير المخدرات.

لقد كان العراق من أضعف الحلقات في استهلاك او تصدير المخدرات فقد تحول منذ 2003 تقريباً بعد الاحتلال واسقاط النظام وقيام سلطة أحزاب الإسلام السياسي " الشيعية وحلفائهم " الى

ــ اتساع ظاهرة الاستهلاك وتعاطي المخدرات وبخاصة فئة الشباب لأسباب عدة منها البطالة والفقر والفساد

ـــ وجود الميليشيات الطائفية المسلحة التابعة وغير التابعة

ـــ اتساع استخدام العنف والتجاوز على الحقوق والحريات العامة والشخصية

ـــ تحول العراق الى معبر للمخدرات الى دول عديدة إضافة لكونه مستهلك على نطاق واسع ووصل التعاطي باستهلاك المخدرات الى آفاق غير محددة .

الحكومات العراقية المتعاقبة وبسبب الصراع على السلطة واعتماد نهج المحاصصة الطائفية وانتشار الفساد فقد أصبحت عاجزة عن إيجاد معالجة لهذه المشكلة المستعصية على الرغم من المحاولات لكبح التهريب والتوزيع، إلا ان هناك أمور فوق طاقتها ومنها وجود مسؤولين يغلقون عين ويفتحون عين فتحة صغيرة أي يتغاضون من اجل الفائدة والمساندة!! وظهر تدفق اكثرية المخدرات من إيران إضافة الى دول اخرى بصدد نقلها الى الدول المجاورة وبخاصة وجود المافيا المختصة بالتهريب والجريمة ، ومثلما البعض من دول الجوار تعتبر مصدراً للمخدرات فهناك دول تعد وجهة لتهريبها مثل الكويت وتعبر حادثة نقلها بواسطة " طيور الحمام " فقد تم الكشف عنها من قبل الجمارك الكويتية عام ( 2017 )" حيث وضعت الجمارك الكويتية يدها على حوالي ( 600 ) كيس من الكبتاجون" وهو واحد من أنواع الأقراص المخدرة الجديدة" كما ضبطت السعودية البعض منها ، وكشف ان البعض من أنواع المخدرات تأتي من أفغانستان مروراً من ايران ثم العراق لتهرب الى السعودية وقد اعتقلت السلطات السعودية مئات العراقيين الذين يتاجرون بالمخدرات ، واشارت الأمم المتحدة الى " تزايد وصول الهيرويين إلى تركيا من العراق " وليس هذا فحسب فإن العراق اصبح مصدراً للمخدرات  كالحشيش والترياق وأنواع حبوب الهلوسة إضافة  للسوق الداخلية،

ان العراق المبتلى بالفساد والميليشيات ومافيا التهريب وبحكم المحاصصة الطائفية لن يستطيع التخلص من هذه الآفة الرهيبة بسهولة ولا يمكن ان تكون الإجراءات القانونية والأمنية سوى وسيلة أحادية لنوع من العلاج ونحن نعرف ان الحكومة ومؤسساتها اضعف من ان تكون قادرة على المعالجة الشاملة لأن الظروف الاقتصادية الصعبة والفقر والبطالة وانعدام " سيادة القانون " وانتشار الفساد وادواته سيكون دائماً مصدراً قويا لانتشار المخدرات والمتاجرة بها ، هذه المعضلة ليس بالسهولة حلها وهي تزداد صعوبة وسوء بعدم وجود حلول عملية ومنطقية لكبح انتشار المخدرات وتأثيرها على سلامة المجتمع صحياً، وصرح نصيف جاسم الحميري  رئيس المجلس العلمي لاختصاص الطب النفسي " ظاهرة المخدرات أمر حساس وخطير ، اذا كان العراق سابقاً ممراً لعبورها ، لكنه اصبح مركزاً لتعاطيها وتجارتها" وكشفت وزارة الصحة في العراق ، عن تحول العراق من ممر لعبور المواد المخدرة إلى مركز لتعاطيها والمتاجرة بها، ومثلما اشرنا فتجارة المخدرات منتشرة بشكل واسع إضافة لضعف الرقابة وملاحقة صغار المهربين وليس كبار التجار فيها ، ودور الرشاوي الباهظة لبعض القوات الأمنية وبمساندة التنظيمات المسلحة التي تهيمن على الحدود ثم وجود التأثيرات القبائلية ثم هناك المعابر غير الرسمية المعدة للتهريب التي تدار من قبل الميليشيات والبعض من القبائل وعلى امتداد  الحدود الجنوبية مع ايران وعلى الحدود الغربية مع سوريا، ولا يمكن ان ننسى الاغتيالات والخطف والتهديدات لرجال الأمن والقضاة العراقيين الذين لهم صلة بمحاربة المخدرات فقد قتل حوالي ( 74) قاضياً منذ 2003 معظمهم " يتعاملون مع قضايا مرتبطة بالفساد وتجارة المخدرات ومصادرها ولا يمكن التغاضي عن دور البعض من المسؤولين السياسيين حيث يتدخلون لإطلاق سراح من يقبض على البعض من التجار الكبار، وهناك الكثير من الأمثلة والحوادث المرتبطة  بالتدخل ودفع الرشاوي، ولا بد من الإشارة الى الأساليب الحديثة في عمليات التهريب بما فيها عن طريق الطائرات الخاصة وغيرها، وهكذا نرى ان الأوضاع من سيء الى أسوأ والحكومة عاجزة عن المعالجة لظاهرة المخدرات  المتنامية في جميع انحاء العراق وكما ذكرنا ان الحكومة لا تستطيع لأنها مخترقة وان المنظمات والميليشيات الطائفية المسلحة لها باع في التأثير على الحكومة والفساد يشل عملية التطور والبناء ويساعد في دعم تجار المخدرات الكبار ولا يمكن كبح عمليات التهريب والتوزيع امام هذه الأوضاع المفككة إلا عن طريق واحد لا غير وهو طريق صعب ايضاً وهو

 ـــــ التخلص من نهج المحاصصة، قيام حكومة وطنية تعمل بجد لإنهاء وجود السلاح المنفلت والميليشيات المسلحة، محاربة أوكار الفساد والجريمة والتخلص من قياداتها وعلاقاتهم بالمسؤولين، وهناك العديد من الإجراءات الأخرى الممكن ان تساعد وتساهم في التخلص من هذه الأفة على مراحل وفي مقدمتها حل المشاكل المعيشية وقضايا الفقر والبطالة والمساواة في المواطنة، والاهتمام بالخدمات العامة وترسيخ الأمن ونبذ الطائفية والتخلص من التأثيرات الخارجية والتدخل في شؤون العراق.

عرض مقالات: