إن القوانين والتشريعات التي يتم تشريعها وكذلك الأشكال التنظيمية، في بلد ما، تعكس أو تعبّر عن تصور السلطة لقيمة ومفهوم العدل. بناءً على ذلك وبوجه عام، فإنه في الأنظمة المستبدة تسير الأمور دوماً من أعلى إلى أسفل. بينما في الأنظمة الديمقراطية تسير الأمور من أسفل إلى أعلى وبالتبادل. وتبدو أهمية قيمة العدل في الحياة السياسية والاجتماعية إلى حد أنه يبدو طبيعياً أن نعتبرها الشرط الأساسي لوجود "دولة" بتنظيمها السياسي والقانوني والاجتماعي، فإذا غاب العدل فنحن أمام أي شكل اجتماعي آخر غير الدولة فالنظام السياسي العادل هو الذي يعمل لصالح المجتمع، ويحترم حقوق المواطنة ويقيم "دولة القانون". ومن المعروف أن الاستبداد يستند أساساً ـ في المعطى الثقافي ـ على الموروثات التقليدية السائدة حتى اللحظة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، كما أنه يتغذى دائماً من ينابيع الثقافة العربية "القديمة-الحديثة" القائمة بمجملها على قاعدة القهر والتغلّب والمُلك العضوض، حيث أثبتت التجربة السياسية العربية والإسلامية عموماً ـ منذ عهود الاستقلال الشكلي ـ أن مجتمعاتنا وأوطاننا لا تزال مرتهنة قسرياً لتنظيمات أخرى داخل المجتمع كالجيش، أو العائلة/العشيرة، أو الحزب، أو الطائفة، أو مركَّب من بعض هذه التنظيمات أو كلها ويمكننا أن نلاحظ في المثال والحالة السياسية لكثير من الدول العربية والإسلامية المعاصرة اجتماع كل تلك العناصر تحت قيادة حزب أو فئة أو فرد مستبد واحد، ينبغي تقديسه وتقديم فروض الولاء والطاعة له في كل الأوقات، بما يوحي وكأننا أمام عقلية بدائية لم يغادر فيها الإنسان لحظة وجوده الأول على سطح هذه الأرض. ولقد كانت الثورة الانجليزية 1688، و نشر مؤلفات جون لوك يشكلان خاتمة الفترة التي شهدتها الفلسفة السياسية الخلاّقة في انجلترا و تبع ذلك فترة من الهدوء والركود وأصبح الفكر السياسي الانجليزي ذا طابع محافظ وراضي بشكل عام عن الأوضاع القائمة في البلاد، و بناءً على هذا فقد انتقل مركز الثقل في مجال النظرية السياسية إلى فرنسا. منذ أواخر القرن السابع عشر إلى ما قبيل الثورة الفرنسية و كان هذا نتيجة سياسة لويس الرابع عشر. التي أثرت الاذلال الخارجي وعن التدهور الخارجي حتى شارفت البلاد على الافلاس، يضاف إلى ذلك طغيان أفكار لوك التي تُعد الأساس التي تبنى عليه حركة التنوير الفرنسية في القرن الثامن عشر، كما يمكن القول عموماً أن حركة الفكر السياسي الفرنسية شددت على فكرة القانون الطبيعي و الحقوق الطبيعية والمصلحة الذاتية المستنيرة، وعليه يجوز القول أن النظرية السياسية في القرن الثامن عشر بدأت تأخذ مركزها في فرنسا و التي بلغت ذروتها نتيجة سياسة لويس الرابع عشر القائمة على الملكية المطلقة والحق الإلاهي.( محفوظ مهدي. اتجاهات الفكر السياسي في العصر الحديث. لبنان: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع 1990. ص.101).                               

 إنَّ مجتمعات دول العالم تتميز ببعض الخصائص؛ حيث التطور الداخلي فيها لم يجرِ بشكل طبيعي نتيجة السيطرة الاستعمارية؛ كما أن هناك عناصر متداخلة ومتناقضة ومتجاورة مع عناصر أخرى؛ ووجود أشكال وأنماط متنوعة للإنتاج والطبقات والشرائح الاجتماعية؛ مع تعدد القيم وتناقضها وتداخلها؛ وتعدد الايديولوجيات وعدم وضوحها وتحددها؛ وعدم استقرار البناء الاجتماعي والسياسي؛ والنزعة العسكرية والسلطوية القمعية؛ ووجود مظاهر الانشقاق وتعدد التناقضات والخلافات في البناء الاجتماعي. في ظل حالة عدم الاستقرار في الأوضاع السياسية التي أدت إلى تشوهات في المؤشرات الاقتصادية الأهمية النسبية للإنفاق على المتطلبات العسكرية والأمنية، وتبوؤ الأنشطة الاستهلاكية والخدمية مراتب متقدمة في مجال الإنفاق الاستثماري الخاص، فضلا عن العوامل الخارجية التي أخذت بالعمل على تغييب الهوية الوطنية واستبدال ثقافات غربية بالوعي القومي، سيأخذ هذا التراجع الذي تشهده البلدان العربية بالاستمرار مع الزمن، وسيقود إلى فقدان السيادة على مستوي الدولة، وتراجع مؤشرات التنمية. تداخل مفهوم التنمية السياسية مع مفاهيم أخرى كالتحديث السياسي والتغير السياسي، فالأول يعني عملية تجديد تُمكِّن النظم السياسية من مسايرة التغيّر الاجتماعي والاقتصادي السريع من خلال تبنيها لثقافة سياسية ذات طابع عقلاني ونابعة من بيئة غير محليّة أي خارجية كالدول الغربية.                                        

أن المواطن العربي كثيراً ما يتصرف بشكل مضاد لمصالحه ومصالح وطنه وأمته، وهو يفعل هذا بدافع شحنة التشوهات والمتناقضات والعاهات النفسية والاجتماعية التي يعاني منها، والقصور الذاتي الذي هو واقع فيه نتيجة سيطرة مفاهيم وثقافة الاستبداد على حركته الوجودية ككل، كالضبط والردع والأمر والنهي .... الخ . من هنا يأتي تأكيدنا على ضرورة تغير الطبائع والنفوس، كأساس لتغيير الواقع الخارجي، أي تغيير الواقع الثقافي والمعرفي السائد حيث أن جذر البطالة وعلة الأزمة كامن هنا.. لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وفاقد الإرادة والحيوية والتضحية ـ وكل قيم الفاعلية والحركية والنشاط والاندفاع العقلاني باتجاه العمل المنتج والمبدع ـ لا يمكن أن ينطلق مبدعاً ومنتجاً في أي موقع أو مجال من المجالات، بل يبقى في موقع المتلقي والمتأثر والمستهلك لمنجزات وإبداعات الآخرين .. ومجتمعاتنا العربية حالياً تقدّم لنا أفضل مثال ونموذج حي على ذلك الارتكاس الحضاري والتراجع  المعرفي الإبداعي على الرغم من بعض النقاط المضيئة هنا وهناك، وهي على كلٍ بسيطة وقليلة لا تشكل حالة فريدة متميزة يمكن الاعتماد عليها.. حيث أنها حضارة لا تنتج شيئاً على الإطلاق تقريباً، وتستهلك كل شيء مما ينتجه ويصنعه الآخرون.. حتى سياساتها الداخلية المحلية، لا يرسمها أو يخططها قادة وزعماء تلك الدول إلاّ بما يتناسب مع مصالح الدول والقوى الكبرى.. إنها مجرد مجتمعات خاملة مستهلكة تعبة لا تقدم شيئاً للحضارة ولا لنفسها، يتحكم فيها مجموعة حكام يفكرون بعقليات بدائية، ويحكمون بلدانهم من زمن بعيد على أسس عشائرية عائلية عاطفية هوجاء، بعيدة كل البعد عن أي منطق أو مبرر عقلي صحيح، سوى تكريس مكاسبهم ومصالحهم، والبقاء الدائم في الحكم واستمرار الوجود على رأس النظام والدولة.                            

الولاءات والانتماءات القبلية هي التي تجعل النسق السياسي في الوطن العربي نسقًا انقساميًا، وإن كانت هذه الانقسامية تقوى وتضعف أمام قوة الانتماء الفكري والسياسي أو ضعفه، ووجود عصبيات أقوى وأكثر فاعلية من عصبية قربى الدم. أن الأنظمة السياسية العربية في أغلبها أما قائمة على أساس الحزب الواحد، أو العائلة الواحدة، او أبناء جهة واحدة. ومن هؤلاء وهؤلاء تتكون الأجهزة القيادية والرئاسية. وعلى رأس هذه الأجهزة مجموعة من الأشخاص يرتبطون بتلك الانظمة السياسية بصلات قربى كثيرة. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية تزايد الاهتمام بدراسة أوضاع الدول حديثة الاستقلال، حيث كانت تعيش في حالة من التخلف . واعتبر علماء الاجتماع والسياسة الغربيين أن المجتمع الصناعي في الدول الغربية المتقدمة يُشكِّل نموذجا يحتذى به. وتم النظر إلى عملية التحديث على أنها عملية انتقال نحو الأنماط والنظم الاجتماعية والسياسية التي تطورت في أمريكا وأوروبا الغربية، ثم انتقلت إلى بقية القارات . حيث أن عملية التحديث تطال في تأثيرها مختلف جوانب المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. واعتبار الديمقراطية بمفهومها الواسع، خاصية رئيسية للمجتمع الحديث في المجال السياسي. أن التنمية السياسية من المواضيع الحديثة التي إستنبطها العلم السياسي في أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ ودخل في الإستخدام الأكاديمي - إذا جاز التعبير - وخاصة في مراكز الأبحاث والدراسات السياسية التطبيقية، حيث وظف مفهوم التنمية السياسية من قبل الجامعات الاوروبية والامريكية تحت شعارات التطوير والتحديث السياسي وتم إجراء العديد من الدراسات بهذا القصد تحت إطار المشاريع التنموية والتحديثية، من أجل إستمرار تحقيق مصالحهم الإقتصادية والإستراتيجية ودفع الأنظمة السياسية للإقتراب الشكلي من النموذج الغربي؛ لأنه على حد زعمهم يشكل النموذج الذي يحتذى به في العالم، والقائم أصلا على الديمقراطية والليبرالية السياسية القائمة على التعددية السياسية، وحرية الفكر وإنتقال السلطة عبر صناديق الإقتراع ونظام البرلمان .                     

إن التنمية الإقتصادية والإجتماعية هي في الغالب عملية غير متوازنة. فبعض المناطق وبعض الطبقات الإجتماعية والجماعات الأثنية أو الدينية/ أو المذهبية تكون مهيّأة أكثر من غيرها لاستثمار العملية التنموية والإستفادة منها، وهي بالتالي أكثر إلحاحاً على المشاركة السياسية، إمّا لكونها قد سبقت غيرها في ميدان التعليم والنمو الإقتصادي والخدمات الإجتماعية فتكونت لديها الحاجة واما عندها التطلّع وتهيأت لاستثمار الفرص المتاحة أمامها نحو المشاركة السياسية، وإما بسبب عكسي تماماً، أي أنها قد تكون أكثر حرماناً وأكثر التصاقاً بهويّاتها الخاصة (مناطقية أو قبلية أو طائفية) وتجد في موضوعة التنمية السياسية مخرجاً لها من وضعها الثانوي، ومعاملتها الدونيّة، وهي بالتالي تصرّ في المطالبة من أجل رفع مستواها الى مستوى الجماعات والمناطق الأ وفي المجال السياسي أيضا هناك من يرى أن عملية التحديث السياسي هي التحولات والتغييرات السياسية التي حدثت في أوروبا وبقية أنحاء العالم منذ النهضة الأوروبية. وهذه التغييرات يُشار لها كخصائص لعملية التحديث السياسي، وتشمل: تحقيق مزيد من المساواة وإعطاء فرص للمشاركة في صنع السياسة، وقدرة النظام السياسي على صياغة وتنفيذ السياسات، والتنوع والتخصص في الوظائف السياسية، وعلمانية العملية السياسية وفصلها عن الدين. تم معالجة ودراسة التنمية السياسية من الدارسين الغربيين في بدايات الاهتمام بالموضوع على أنها عملية نقل للنموذج الغربي في بناء المؤسسات والأنظمة السياسية، والتخلص من الانظمة والقيم التقليدية التي تعيق تطور المجتمع بشكل عام. وكانت النظرة إلى التنمية التي حدثت في الغرب، على أنها عملية ذات صفة عالمية يصلح تطبيقها أو نقلها إلى كل دول العالم الثالث. وكان التركيز والاهتمام في دراسات التنمية السياسية الأولى منصب أكثر على التعرف على الخصائص التي تميز المجتمعات المتقدمة وتطورها عن الخصائص التي تميز المجتمعات المتخلفة. كما جرى التركيز على المراحل التي تمر بها المجتمعات نحو التطور، والقوى والعوامل التي تعجل من عملية التنمية . كما اعتبرت عملية التنمية والتحديث بأنها تمر بمراحل متعاقبة باتجاه واحد صاعد، وأن كل المجتمعات البشرية لا بد أن تسير في هذا الاتجاه الذي مرت به الدول الغربية.                                      

ورغم الصعوبات التي واجهت الباحثين في مجال التنمية السياسية في تحديد مفهوم محدد وواضح، إلا أنهم حاولوا وضع بعض التعاريف التي قد تؤدي إلى تقريب الرؤى حول هذا المفهوم. وآليات التنمية السياسية هناك مجموعة من الآليات التي لابد من توفرها لضمان نجاح عملية التنمية في مجتمع معين وخاصة في دول العالم الثالث ومن أهمها، المعايير الاجتماعية عن طريق مختلف مؤسسات المجتمع، بما يساعده على التفاعل معه. ومنه فإن التنشئة السياسية تهتم بشخصية الفرد وتطويرها وصياغتها وفق نموذج معياري مسبق لتعميق القيم والتوجهات السياسية الشائعة المستقرة في المجتمع، كما تسعى إلى تنمية مدارك الفرد وتعزيز قدراته السياسية بحيث يستطيع التعبير عن ذاته من خلال سلوكيات ينتهجها في الحياة السياسية خاصة إذا كان النظام السياسي غير عقلاني وغير رشيد ومنه إمكانية خلق مجتمع مدني منظم قادر على القيام بدوره الفعال. ألانظمة السياسية التي تتمتع بنوع كافٍ من الاستقرار السياسي، هي تلك الأنظمة التي تمكنت من بناء آليات ومؤسسات تتيح أكبر قدر ممكن من الحراك الاجتماعي وتداول القوة الاقتصادية والسياسية بين أفراد المجتمع، لذلك فإن الديمقراطية التي ينادي بها أي نظام سياسي لا تقاس من خلال عدد الأحزاب التي أجيز لها أن تمارس العمل السياسي، وإنما من خلال التداول السلمي والفعلي للسلطة بين الجميع، وعبر الطبقات الاجتماعية المختلفة، مما يترتب على ذلك من آثار على المستوى الواقعي بحيث تتاح المشاركة الشعبية، وتكافؤ الفرص لكافة إفراد المجتمع دون تمييز. وإذا كان ينظر الى التنمية بمفهومها العام على أنها عملية شاملة ذات مضامين اقتصادية واجتماعية وسياسية، أي انها عملية لا تقبل التجزئة ، وأن أي تحوّل في أحدها يقود دون مناص الى تحوّل وتغيير في البقية. لكن التنمية السياسية كنشاط يقوم به المواطن العادي من أجل التأثير في صناعة القرار الحكومي، بَقيت الغائب الأكبر لدى صانع القرار، ولدى الباحثين والكتاب، الأمر الذي أدى الى التشكيك في حتمية (شمولية) التنمية، بالنسبة لبعض الدول، خاصة الريعية منها، أي تلك الدول التي تعتمد على مصادر دخل غير (الضرائب) وتقوم بصرفها على التنمية.        

إطلاق الحريات بين جميع فئات المجتمع الواحد بعيدا عن الخوف والإرهاب الفكري، وتحقيق الاتصال بين الجماهير. وجود تعددية سياسية وفكرية ضمن الثوابت القائمة عليها، أي مجتمع من دون إدعاء طرف امتلاكه الحقيقة أو حماية المصلحة الوطنية على حساب طرف آخر. قيام أحزاب وطنية قوية، لديها القدرة على العمل في بيئة ملائمة ، ومشاركة المواطنين في صنع القرارات ديمقراطيا من خلال المؤسسات الدستورية. تفعيل دور المجتمع المدني بإنشاء مجموعة من المنظمات النقابية وحقوق الإنسان وغيرها. ولتحقيق التنمية السياسية يتطلب مراعاة الحريات الفردية والعامة، واحترام حقوق الإنسان والمحافظة عليها عن طريق تشريع قوانين تنظيمية عادلة على كل الأصعدة. وأن تكون هناك قنوات اتصال بين النظام أو النخبة الحاكمة والشعب لكي تكون الرسائل بينهما. وعملية بناء الإنسان عملية شاقة جداً وتتطلب العديد من الجهود، ولا يمكن الاستفادة القصوى من الطاقات البشرية ، إلاّ  من خلال بناء الإنسان عن طريق، التعليم وتطويره، وهذا يتضمن محاربة الأمية والقضاء عليها، وتطوير ملكات النقد والتعبير والإبداع، إضافة إلى ذلك يحتاج بناء الإنسان إلى رفع المستوى الصحي، وتوفير الغذاء الكامل، تأمين الوقاية والعلاج من الأمراض، أي بصورة إجمالية تأمين الحاجات الإنسانية الضرورية التي تحفظ كرامة الإنسان. إن المواطن حينما يكون مشاركاً في القرار، سواءً من خلال الرأي أو مؤسسات المجتمع المدني كالمؤسسات التمثيلية أو السياسية، يتحمل تبعات القرار، أما حينما يُحرم من المشاركة ويعيش حالة فقر سياسي فإنه يعيش حالة غُرْبة قد يوفر بيئة ملائمة لخطفه من فئات قد تستثمره لتحقيق أجندتها الخاصة التي قد تكون ضد الصالح العام. لا شك أن الفقر سبب، والبطالة سبب آخر.إن مفهوم الأزمة السياسية يرتبط بالعلاقة بين المدخلات والمخرجات في إطار (النسق) أي النظام وتكون الأزمة عندما يحدث خلل في هذه العملية، وبمعنى آخر تحدث الأزمة إذا ما تغير بناء المطالب والمدخلات بشكل يفوق الموارد المتاحة أو بسرعة اكبر مما هو متوقع ولا تستطيع مؤسسات التمويل مواجهته أو التكيّف معه. وكذلك غياب الديمقراطية كأسلوب عمل وقيمة سياسية عليا تضع محددات على القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتعمل على إرساء الحكم الديمقراطي، وتُشرك الأغلبية البرلمانية في تداول السلطة، وتفتح قنوات للحوار والتفاوض وتبادل الرأي باتجاهين بين النخبة الحاكمة والشعب وبالعكس، وتمنع الانغلاق السياسي على اسر محددة في تولي المناصب العامة في مؤسسات الدولة، وكذلك رفض الدولة القبول بتمثيل الشرائح الاجتماعية والثقافية والسياسية والتعامل معها وإشراكها في عملية صنع القرار وعدم الانفراد به. تباين السياسات الاقتصادية في الدول العربية صاحبه اختلاف في البناء المؤسسي الاقتصادي لهذه الدول، إعادة تقسيم المجتمع إلى طبقتين، أغنياء وفقراء، ويتلازم مع ظاهرة الفقر والتي تعد تحديا جديا أمام الدول العربية إعادة تقسيم المجتمع إلى طبقتين، أغنياء وفقراء، مع تلاشي الطبقة الوسطي التي كانت عماد المجتمع الغربي في مسار تطوره الاقتصادي ويتلازم مع ظاهرة الفقر ظاهرة البطالة. والتي تعد تحديا جديا أمام الدول العربية بشكل عام. وقد شهد الربع الأخير من القرن المنصرم اتجاهات لتفكك الدولة القومية وإعادة دمجها بالاقتصادات الرأسمالية، إلا أنه يصعب الاندماج من دون إزالة وتغييب الهوية القومية ومكوناتها. وقد بدأت هذه التحولات من منطلقات اقتصادية، وفقا لتوجهات برامج المؤسسات الدولية البنك والصندوق الدوليان إلاّ أنها واجهت صعوبة لاختلاف أنماطها السوقية والبني الاقتصادية للنظام الدولي الجديد. فاستقرار الدولة والمجتمع الوطني رهن برسوخ مؤسسات ذلك المجتمع وخصوصا الاقتصادي منها ، وثقافة هذا المجتمع الحديثة في الحياة الوطنية ، و رسوخ لمؤسساته في ظل أنظمة سياسية لا تملك اقتصادً قويا ومتوسعا يشعر فيه الأفراد بالطمأنينة والأمن والاستقرار ، فلا تساورهم المخاوف والشكوك من قدرة حكوماتهم على تحقيق أمالهم وتطلعاتهم المستقبلية ، وخصوصا من الناحية الاقتصادية. والغاية التي تهدف إليها الدولة في مفهومها السياسي منذ القدم هو وجود نوع من الاستقرار السياسي من خلال وجود تجانس اجتماعي، والاستقرار والتجانس الاجتماعي يُعتبران من شروط الديمقراطية المستقرة، إذ ان الانقسامات داخل المجتمع تحمل في طياتها عدم الاستقرار وبالتالي انهيار الحكم الديمقراطي.