اجرت جريدة نيوز دويلاج الصادرة في برلين، في الثاني من تشرين الأول الجاري حوارا مع نيكلاس فرانك حول ما كتبه في تصفية الحساب مع النازية، وعلافة الإرث النازي بصعود اليمين المتطرف في المانيا وهي التسمية المحسنة التي تطلق في الاعلام على الفاشية والنازية الجديدة في العديد من البلدان الأوربية.

وأهمية الحوار تكمن في كون والد المتحدث كان من الرموز الاجرامية خلال سنوات السلطة النازية. ولهذا وقبل الخوض في التفاصيل التي احتواها الحوار لا بد من التعريف بنكلاس فرانك، لعلاقة ذلك بما طرحه في الحوار. فمن هو نيكلاس فرانك؟

ولد نيكلاس فرانك، عام 1939، وهو الابن الأصغر لهانز فرانك "الحاكم العام" لبولندا خلال الاحتلال النازي، والذي دخل كتب التاريخ باسم "جزار بولندا" و"جزار يهود كراكوف"، أُعدم في بعد محكمات نورمبربيرغ في تشرين الأول 1946. واعتبرت والدة فرانك "ملكة بولندا". عمل نيكلاس فرانك، لمدة 20 عاما في مجلة شتيرن الألمانية المعروفة، وكرس جهده للكشف الجذري عن طبيعة النظام النازي، وتأثيراته في تشكل الشخصية الالمانية. وأصدر كتابين تضمنا تصفية للحساب مع والديه: الأب" و"أمي الألمانية") ثم أكمل الثلاثية النقدية القاسية عن عائلته بكتاب „الأخ نورمان!". وسيصدر له كتاب في معرض فرانكفورت المقبل للكتاب بعنوان: "مستعدون للإبادة مرة أخرى؟" نحن الألمان معادون للسامية."

مراجعة التجربة النازية

في الثالث من تشرين الأول الجاري يحتفل في المانيا بالذكرى السنوية لتوحيد الالمانيتين، ومنذ عدة سنوات تحل ذكرى "الوحدة"، موازية لتزايد صعود قوى اليمين المتطرف والشعبوي، ويبدو ان هذا الصعود لا يتأثر بالكشف عن فضائح في (تحذف تخص العديد من زعماء اليمين المحافظ، التي تؤكد ارتباطهم بالنازية الجديدة، في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ولعل أحدثها الكشف عن كتابة نائب رئيس حكومة ولاية بافاريا، وزعيم حزب الناخبين الاحرار الشريك في التحالف الحاكم هوبرت آيفانغر عندما كان شابا اصدر بيانا يمجد فيه معاداة السامية، ولم يغير من حقيقة الامر تحمل شقيقه الأكبر مسؤولية كتابة البيان. ان الكشف عن الفضيحة لم يؤد الى انخفاض شعبية "الناخبون الاحرار" بل العكس هو الصحيح. هذا وغيره في سنوات وعقود سابقة يقود الى ان الاستنتاجات التي تمخضت عنها مراجعة التجربة النازية لم تأت ثمارها.

بالنسبة لنيكلاس فرانك ان الحدث يؤكد فرضيته: "نحن الالمان شعب لا يرحم". يتم الهجوم على آيفانغر بسبب "خطيئة" ارتكبها في شبابه، وبالتالي ينظر اليه كضحية، ويقوم بتصوير نفسه على هذا النحو، وعليه ينبغي منع الصحافة الحرة التي تنبش وتنشر "خطايا الشباب". على هذا المنوال يعمل أنصار أحزاب اليمين المتطرف (الناخبون الاحرار، والبديل من اجل المانيا على الابتعاد عن الديمقراطية.

ان حماية رئيس وزراء بافاريا ماركورس سودر، زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي الحاكم لنائبه، وصف من زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي فريدرش ميرتس بالقرار "الشجاع"، ومثل خطوة أخرى على غزو اليمين المتطرف وسط المجتمع الألماني، وشكل صفعة للذين يطالبون الكشف عن جوهر تفكير آيفانغر السياسي.

يرى فرانك ان تصريحات ميرتس فضيعة، لكن ما يفتقده في المانيا هو الغضب الديمقراطي، ويدفعه ذلك للاعتقاد ان حال المانيا كان كذلك أيضا قبل وصول هتلر للسلطة. كانت هناك حملة ضد ديمقراطية جمهورية فايمر، والآن تقضم أحزاب ديمقراطية يوميا الديمقراطية، ويبدو فرانك متشائما جدا، فيرى ان هناك كتلة واسعة تتحول نحو للدكتاتورية.

رؤية استفزازية

رؤية فرانك مستفزة، وتقترب من تأشير استعداد جديد للإبادة الجماعية، في حين يرد على النحو التالي: " أنا فقط أعبر عن مدى خوفي. يشرع حزب البديل من أجل ألمانيا والناخبون الأحرار في السير على الطريق الذي أصبح والدي من خلاله قاتلاً جماعياً. أرى أن أيديولوجيته المثيرة للاشمئزاز واللاإنسانية تزدهر مرة أخرى، خاصة في حزب البديل من أجل ألمانيا". و "ان الناخبين الاحرار وحزب البديل من اجل المانيا يمثلان حفاري قبر الديمقراطية. وسرعان ما سيجلس الحزبان معاً على مقاعد الحكومة، وسيعيدان تفعيل واحدة من أولى القواعد التي وضعها والدي كوزير للعدل في ولاية بافاريا: لم يعد يُسمح للمحامين اليهود بدخول المحاكم. ولن يضيفوا إلا: "ينطبق هذا أيضًا على المهاجرين وذوي النسب غير النقي".

السير نحو نازية جديدة

ان اليمين المتطرف الصاعد في المانيا يسير باتجاه نازية جديدة، وسيفعلها بكل سرور! ومن المؤكد أنهم لن يمارسوا القتل الجماعي الفوري للمهاجرين. لكنهم بالتأكيد سيكونون أول من يقضي على الصحافة المستقلة الحرة، وكذلك القضاء المستقل. وسوف تقوم حكومة متوقعة بقيادة حزب البديل من أجل ألمانيا على الفور بتمرير شيء مماثل لـ "قانون استعادة الخدمة المدنية الألمانية"، الذي صدر في نيسان 1933، والقاضي بطرد مناهضي النازية من أجهزة ومؤسسات الدولة. وبهذه الطريقة، يستبعد حزب البديل من أجل ألمانيا كل أولئك الذين لا يتناسبون مع أيديولوجيته العنصرية، أي اليهود والمهاجرين والمجموعات السكانية الثقافية التي لا تقبلها الرؤية النازية. والحجة جاهزة تاريخيا "تعريض الامن والنظام للخطر". ومكمن هذه المخاوف حالة الكسل في الدفاع عن الديمقراطية. ان الغضب من اجل الديمقراطية، القائمة في المانيا، والتي يراها فرانك الأفضل في التاريخ الألماني الحديث، مبعثها صعود حزب البديل من اجل المانيا وقوى اليمين المتطرف الأخرى، الذي يعني نهاية الديمقراطية او سير المانيا نحو الهاوية. ان ما يحدث هو انبعاث لجثث النازية السابقة بثياب جديدة.

وتصريح هوبرت آيفانغر في سياق الدفاع عن نفسه في حوار مع جريدة "دي فيلت" المحافظة واسعة الانتشار يكشف هذه الحقيقة: "في رأيي، يتم إساءة استخدام المحرقة لأغراض سياسية حزبية". ان هذا التصريح نموذج فاضح لتصفير أي فهم للديمقراطية، ويعكس عدم التعاطف مع ضحايا الحقبة النازية 1939 – 1945. وإلغاء لتجربة تاريخية مرعبة.

الديمقراطية

حزب البديل من أجل ألمانيا يدفع الأحزاب التقليدية نحو الديكتاتورية! وتبدو هذه الأحزاب مشلولة، ويبدو انهم استسلموا. وان هناك تحول جذري: فاللوحة العنصرية والمعادية للسامية تتحرك ببطء وثبات عبر اللوحة الليبرالية الديمقراطية. بطبيعة الحال، لا تزال هناك هزات ديمقراطية صغيرة، لا يمر يوم دون، ان يقوم حزب ديمقراطي آخر يقضم الديمقراطية. يبدو الأمر كما لو أن الجميع مرهقون، وافتقدوا حماسة الحب للديمقراطية.

على الرغم من ان الديمقراطية لا زالت تؤدي وظيفتها، ولكنها لم تدخل القلوب. القلب الألماني يغلي بالاستياء، انها المحرقة الغبية دائما! لا يوجد أحد في هذا البلد، ولا حتى أكثر المتطرفين اليمينيين، لا يحمل في رأسه صور اكوام من الجثث يتم دفعها بالجرافات إلى مقبرة جماعية، وللناجين الهزيلين بشكل رهيب من أوشفيتز ومعسكرات الاعتقال الأخرى. وهذه الصورة موجودة أيضا في رؤوس سياسي التحالف الحاكم اليوم في المانياً. ولكن كيف يتم التعامل مع اللاجئين الذين وصلوا هذه البلاد؟ مثل اليهود في ذلك الوقت! لا مكان للتعاطف! ولا دروس من فضائع الماضي القريب

*- نشرت في جريدة المدى في 8 تشرين الأول 2023

عرض مقالات: