جرت انتخابات 2018 كالانتخابات السابقة . . بعد تصاعد و توسع الاحتجاجات المتواصلة على قوانينها و اسلوبها و على توقعات التهديدات و اعمال الغش من الكتل الحاكمة في اجرائها، من قبل قوى المعارضة و من قبل عدد من الكتل الحاكمة و المتنفذة، و بعد تصاعد الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد من اقصاها الى اقصاها مطالبة بالدولة المدنية اللاطائفية و الاصلاح و تحقيق مطالب الشعب اليومية، و محاربة الفساد و معاقبة كبار الفاسدين، و التي وصلت الى حد الانتفاضة المدنية التي ساد فيها هتاف " باسم الدين باكونا الحرامية " . .
وسط ملاحظة المراقبين و المتابعين، الى ان التحضير لها حفل بالتهجمات و التشويهات السياسية و الاجتماعية، و الى حالة شبه الفزع من تلاقي قوى سياسية مدنية في مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي، مع التيار الاسلامي الشيعي الاكثر شعبية " تيار الصدر" بقائمة " سائرون "، الامر الذي شهد تصاعد تهديدات من قوى حاكمة عبّر فيها المالكي امين عام حزب الدعوة الحاكم، في مقابلة تلفزيونية عن احتمال نشوب حرب اهلية ان لم تكن نتائجها ترضي الاطراف الخاسرة، بلا شعور بابسط مسؤولية فيما يقول و هو نائب رئيس الجمهورية، كما سيأتي.
اضافة الى تصاعد تهديدات دوائر ايرانية عبّر عنها مسؤولون ايرانيون كبار بكون القوى المدنية معادية للدين و فرائضه ؟؟! و نشطت في دعم المستندين على الدعم الإيراني، بين حملاتها الاعلانية و تحشيداتها لـ (ضمان) فوزهم و بين هجومها على قائمة " سائرون " الانتخابية.
في وقت صدر فيه بيان المرجع الشيعي الاعلى السيد السيستاني، دعا فيه الى اختيار العناصر النظيفة النزيهة و ذات الكفائة الوظيفية، و عدم انتخاب الفاسدين و المشكوك بأمرهم، مطالباً بتشكيل حكومة ذات برنامج عملي واقعي للاصلاح بعيداً عن التدخلات الخارجية، حكومة تحقق الرفاه للشعب و تحارب الفساد و الطائفية و تمتلك وحدها الحق بالسلاح، مشيراُ الى عدم صلاحية استخدام المرجعيات الدينية لتحقيق فوز او مكسب فردي او جهوي لحكم البلاد التي تعيش الفقر و ويلات خراب الحروب، داعياً الى احترام حرية و حق الفرد بالمشاركة في الانتخابات من عدمها.
و قد صعق الحاكمون عند اعلان النتائج في الانتخابات بعد ان عزف عنها كثيرون ليأسهم من امكانية التخلي عن محاصصة الحكام (المفروضة) و الغير مجدية و يأسهم مما يخططون، فيما شارك فيها اكثر من 44 % ممن يحق لهم التصويت، و كان في مقدمة فائزيها، تحالف "سائرون " الصدري ـ الشيوعي و المدني . . و ترى اوساط واسعة ان النتائج لم تكن متوقعة لمن لم يعش او حتى لم يلحظ المعاناة و الرفض العام لما يجري و لإنحسار دور الطائفية و عدم جدوى المحاصصة الطائفية و خاصة اثر انفضاض تماسك فكرة " البيت الشيعي " و الوهية القرارات بعد ماجُرِّب اصحابها و هم في السلطة و الحكم، و اساءوا لأوسع الاوساط الشيعية . .
و فيما تسببت الحياة المزرية التي تعيشها اوسع الاوساط الشعبية الشيعية و السنية و الكردية،
بتشظي الكتل الحاكمة لفشلها بالحكم، و سعت الاوساط الاطول تحملاً الى المشاركة في توظيف الإنتخابات لإيجاد حلول سريعة لمشاكل المواطن المتفاقمة و ليس للتخندقات الطائفية، و من اجل نظام حكم يشجّع الدول و الإتحادات الإقليمية و الدولية للإستثمار في البلاد من اجل اعادة بنائها شعباً و عمراناً. تحرّكت الدوائر الإيرانية المذكورة آنفاً باسلوب جديد، شمل تهاني الفائزين من جهة، و التحرّك سريعاً لقطع الطريق على وجهة استقلال القرار العراقي و على الغاء المحاصصة الطائفية الاثنية، بتقدير مراقبين محايدين.
فيما يلاحظ آخرون تصاعد حنق و حقد الكتل التي خسرت و من خسر منها، تجلىّ ذلك علناً باشكال متنوعة، من النشاط لمحاولة ابطال الانتخابات الى تهديد الفائزين الجدد، و الى حملات اعتقالات شملت الناشطين المدنيين، اضافة الى انواع التحريضات بالاعتداء عليهم و على احزابهم، التي ادّت الى مقتل و جرح عدد من المواطنين في "الشعلة" بمفخخة، و الى رمي قنبلة محليّة الصنع في حديقة المقر المركزي للحزب الشيوعي العراقي التي لم تتسبب بخسائر بالارواح وفق بيان المكتب السياسي للحزب، ولايستبعد كثيرون الدور التحريضي ان لم يكن اكثر لجماعات المالكي ومن معه، ابتداءً من تصريحاته آنفة الذكر، ناسين او غير واعين الى ان الغدر و العنف السياسي، لايزيد اصحاب الحق و الحقوق الاّ صلابة و اصراراً، كما اثبتت و تثبت الاحداث في البلاد .
و تشير اوساط آخرى الى معاني طروحات السفير الايراني الجنرال مسجدي التي دعى فيها الى التريث في تشكيل الحكومة، وسط محاولات تتطلب وقتاً بين الاغراءات و الترهيب للجهات الايرانية للتأثير على وجهة الإئتلافات و الحفاظ على المحاصصة الطائفية المقيتة و الوقوف بوجه تشكيل حكومة مدنية تحارب الفساد و تقوم على اساس استقلال القرار العراقي و النزاهة و الكفاءة و المواطنة، التي يجري التحرك سريعاً لتشكيلها من القوائم الفائزة، في وقت تواجه فيه الحكومة الايرانية صعوبات جمّة في حروبها التي تزج في اتونها شعبها الذي لاناقة له فيها و لاجمل، تهددها مالياً و موارداً .
في وقت بدأ فيه تشكيل الإئتلافات المتحرّك الصاعد النازل سريعاً الآن، المؤمل ان يجري باتجاه قيامه على اساس البرامج و الخطط الواقعية بدلاً من الاساس التحاصصي الطائفي و الفرض و التهديد، و على اساس سمعة الأفراد و من جُرّب منهم، امام تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية على مشاكل الكهرباء، التي بدأت في كربلاء و اخذت تجتاح البلاد الآن.
في وقت تدعو فيه اوسع الاوساط المثقفة و الاكثر وعياً، الى الضرورة القصوى لإعادة النظر بالعملية السياسية التحاصصية على اساس الإنتماء الوطني و الكفاءة، اثر تزايد الصعوبات و اعباء الحياة، و تزايد الوعي بضرورات التغيير بعد الانحدار الكبير الذي وصلت اليه العملية السياسية و النكبات والمهازل والفضائح التي رافقت مسيرتها، التي يدفع اثمانها الشعب و خاصة الطبقات الاكثر فقراً منه.
28 / 5 / 2018
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.