14 نيسان 1948 يوم" محفور" في ضمير طلبة العراق الثوريين، وشعلة منيرة للطلبة في سبيل حياة طلابية حرة ومستقبل أفضل. 

نعم انها الشعلة الوضاءة التي تلت الوثبة التي اندلعت في 27 كانون الثاني من عام 1948، واسقطت معاهدة بورت سموث، وكان العمال العراقيون قد فرضوا تنظيما" نقابيا" علنيا" في عام 1944 ولهم 16 نقابة في بغداد والمدن الجنوبية والوسطى العراقية. اما الطلبة فعقدوا مؤتمرهم بحماية العمال، اذ انعقد المؤتمر في ساحة السباع ببغداد بتاريخ 14 نيسان 1948 وهو المؤتمر التأسيسي لاتحاد الطلبة العراقي وحضر المؤتمر 200 مندوبا يمثلون 56 اعدادية ومعهد وكلية من أصل 71 مؤسسة تعليمية قائمة آنذاك.  وقد حضره الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، منشدا قصيدته "يوم الشهيد"، التي خلدت شهداء الوثبة، ورفع شعاره المركزي (في سبيل حياة طلابية حرة ومستقبل أفضل) ويضم الاتحاد في عضويته كافة الطلبة الراغبين بالعمل الطوعي في صفوفه بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية او القومية او الدينية. وضمت هذه المنظمة الطلابية المهنية شريحة واعية ومثقفة من الطلبة لتلعب الدور الفاعل في مجال الارتقاء بالعمل التربوي والمطلبي والمهني وغير الحكومي طيلة تاريخها المعمد بالتضحيات والشهداء. سقط الطلبة جعفر الجواهري (اخ الشاعر الكبير الجواهري) وقيس الآلوسي وشمران علوان في وثبة 1948 قبل ثلاثة أشهر من انعقاد المؤتمر!

 بعد ثورة 14 تموز المجيدة عقد المؤتمر الثاني للاتحاد في 16 شباط 1959 وحضره الزعيم عبد الكريم قاسم وكذلك الشاعر الكبير الجواهري ووزير المعارف ونقيب المعلمين وممثل عن اتحاد الطلاب العالمي. اسهم اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية في دعم ورعاية العمل التربوي بعد ثورة 14 تموز 1958 المجيدة الى جانب نقابة المعلمين والمؤسسات التربوية الحكومية، كما اكتسح اتحاد الطلبة العام الانتخابات الطلابية عام 1967 في بلادنا بتحقيقه 80% من مجموع اصوات الطلبة مما اضطر الحكومة لإلغاء الانتخابات واعلان حملة ملاحقة شرسة ضد زميلات وزملاء الاتحاد، بينما ادى العمل المهني خلال  سنين حكم البعث الشمولي(1968-2003) إلى اضمحلال دوره الايجابي وتغييبه عن الساحة التربوية بسبب اصرار الدكتاتورية على الدور الاستئثاري المهيمن وتحويل هذا العمل الى رافد للتجسس المخابراتي ارتبطت قياداته بالأجهزة الأمنية والحزبية للنظام.

ان ما حل بالطالب العراقي في ال 30 عاما المنصرمة من القرن المنصرم هو عن جهد واع وتصميم مسبق لسياسة الطغمة الحاكمة لتحويل ابناء الشعب الى قطيع من الأرقاء مغسولي الأدمغة وإلى بوق اعلامي تهريجي. لقد تآكلت المراكز الأكاديمية والتدريسية بعد ان أسهم الاتحاد اللاوطني لطلبة العراق (المنظمة الطلابية السلطوية التي أسست بإيعاز من المخابرات الاميركية عام 1961) في تحويل اللجان الطلابية في الكليات والمعاهد والمدارس الى اوكار للدعارة المخابراتية. 

وبذل النظام البعثي (1968-2003) السابق الجهد لتأطير السايكولوجية الطلابية بالقيم الزائفة للركوع امام الطاغية وخدمة مآرب الأسياد في النزعة الحربية، وغرس فيهم عقدة الذنب جراء استخدام الأسلحة الفتاكة لا لتهديد جيران العراق فحسب بل ضد الشعب العراقي والشعب الكردي، وليبقوا في هذا الشرك القاتل في سبيل تثبيت مواقعهم كشرذمة في معسكر اعداء الشعب. واسهم جهابذة الثقافة القومية البعثية ومع تفاقم دور الدولة القمعية العراقية في قمع الشعب والابتلاع التدريجي لحقوق الانسان والمنظمات الاجتماعية والنقابية العراقية.

لازال التعليم في بلادنا يعمل على قاعدة الربحية، وبات التعليم المجاني الحر في خبر كان عبر الرسوم التعجيزية على كل المستويات ابتداء من الكليات والمدارس المسائية، وبينما كانت الكتب والقرطاسية توزع مجانا أصبح على الطلبة دفع ثمنها اليوم. وتشكل المصاريف الجديدة عبئا ثقيلا على أكتاف الفقراء والمعدمين! الوضع الدراسي مشوب بالمخاطر والانفلات الامني والمزايدات والطائفيات والعنصريات والجهويات الفئوية الضيقة والمناهج الدراسية المشوشة والمغلقة غبر القابلة للتطور والعطاء والموضوعية وقبول الافكار العلمية والجدل العلمي. الوضع الدراسي مشوب بالمؤسسات والمعلمين والمدرسين والاساتذة والطلاب الذين يصفقون ويهرجون للمشروع الطائفي واساليب العنف والتهديد والابتزاز والفكر الرجعي الديني.

يبقى 14 نيسان مضيئا في عقول ووجدان طلبة العراق بقدر ما يكون مبعث فخر الشعب العراقي ونقف اجلالا واكبارا امام تلك التضحيات الجسام التي قدمها الطلبة في طريق الحرية والانعتاق والخلاص من الانظمة الدكتاتورية على مدى تاريخ عراقنا الحديث.

 

المجد والخلود لشهداء الحركة الطلابية والشبابية العراقية المناضلة.

عرض مقالات: