يذكر جيلي الرعب الذي خلقته لنا مفارز الانضباط العسكري أصحاب النطاق الأبيض، فقد كان الجميع من الشباب يخاف مخالبهم سواء من هرب من الخدمة العسكرية أو من كان قد سهى عن حمل هويته أو فقدها، ولن تنفعه أية توسلات أو تبريرات يثبت بها أنه غير هارب من الخدمة.
ويذكر أن نظام الجيش العراقي السابق مبني على التعامل مع الجنود بطريقة تهدر إنسانيتهم وكرامتهم، وكثيرا ما زج بهم في حروب لا ناقة لهم ولا جمل، مما دفع الكثير إلى الهروب من الخدمة.
وكل الذين يمسكهم الانضباط العسكري، يرسلون إلى (الكرنتينه) في الحارثية في بغداد أو المعتقلات المماثلة لها في المحافظات. وقبل أن يصلوا إلى المعتقل يجري سحبهم في الشوارع والناس تنظر إليهم بين متعاطف أو شامت وهم مقيدو اليدين بالإصفاد كأي بهيمة تجر للذبح.
(الفراريه) من الجنود يرسلون إلى وحداتهم لينالوا عقابهم. وفي فترة الحرب كانوا كثيرا ما يعدمون وقد سمح لمنظمات البعث في المناطق اعدامهم من دون الرجوع إلى المحاكم.
أما من كان غير مشمول بالخدمة العسكرية أو غير ملزم بها فيبقى في (الكرنتينه) إذا لم يجد ما يكفله ويقدم أوراقه الثبوتية، كي يتعفن ويأكل (الجرب) جلده.
اما (فراريه) اليوم هم (انضباطية) أمس ولكن في رتب ومقامات عالية، ويتحركون ويصولون بالعلن، ولديهم العشرات من (الكرينتنات) السرية والعلنية قد عدت لنا نحن -المطاردين- لهم. ويبدون غير مهتمين لهروبهم من وجه العدالة رغم جرائمهم وفسادهم الذي يزكم الأنوف.
ولكن من المفرح هو قيام خمسة عوائل عراقية بتقديم دعوى ضد عادل عبد المهدي أمام إحدى المحاكم الفرنسية في باريس تتهمه بجرائم ضد الإنسانية وتعذيب وإخفاء قسري خلال تظاهرات تشرين عام 2019 بحكم كونه يملك جوازا فرنسيا.
وهذا شيء يدعونا لرفع الدعاوى امام القضاء المحلي والدولي لمحاكمة (الفراريه) الأخرين ممن ساهموا بسقوط الموصل ومجازر سبايكر، ومذبحة جسر الأمة، ومجازر الحرب الطائفية، والمشاريع الوهمية وتهريب الأموال وتغول المليشيات المسلحة خارج نطاق الدولة، وسراق المال العام وغيرها من الجرائم. وأن غدا لناظره قريب!