جاء قانون الجرائم المعلوماتية لكتم الأصوات وإخفاء المعلومة بشكل يحرص على عدم كشف حقيقة دور الأحزاب والكتل التي تربعت على مواقع القرار، ومطابقا لمقاييس تناسب مواصلة توزيع الأدوار في السير قدما بنهج المحاصصة الطائفية والأثنية، وليطمئنهم على حجب ذكر أسماء من يسعى عبر موقعه القيادي إلى أدلجة الفساد وشرعنة نهب ثورات البلاد. وكتم صوت كل من يتطرق ويفتح فمه للمطالبة بتطبيق مواد الدستور، التي تضمن حق التظاهر والإضراب!!! بما فيها ممارسة ما جاء به الدستور من فقرات لحرية الوصول غلى المعلومة السياسية والاقتصادية ناهيك على ما تضمنه من مواد وفقرات إذا ما طالب المواطن بتطبيقها، فقانون الجرائم المعلوماتية سيعرضه إلى سين وجيم في المحاكم، استنادا لمطاطية مواده، واختيار المسؤول المادة التي سيطبقها بحقه وبشكل يتناسب لردعه عند المطالبة بمحاسبة الفاسدين وفتح ملفاتهم، كما جرى له قبل إعادة مناقشة هذا القانون، فكيف ستكون معاملتهم له، وهو يطالب بحياة مدنية ديمقراطية تسودها العدالة الاجتماعية، خالية من الاستبداد الديني الطائفي. خاصة وإنه احتوى على مواد تشع بالضوء الأخضر للمسؤول في اختيار الذرائع والدوافع القانونية للمادة القاسية العقوبة ليطبقها بحقه، ومن المضحك المبكي أنه سيصدر من البرلمان وسيطبق باسم الشعب!!!  لفرض دوافع تضييق الديمقراطية والحريات العامة، ويُبيح استعمال القوة ضد كل من تسول له نفسه كشف حقيقة ما يجري في دوائر الدولة الإدارية والأمنية، من صحفيين ومحللين سياسيين، مما يُعطي الانطباع عن ممارسة دكتاتورية جديدة قرينة بما كان سائدا قبل 2003. حيث صيغ بحذاقة لخلط الأوراق، وإيكال مسؤولية تشويه سمعة مسؤولي المواقع القيادية، على كل من يحاول كشف ما يُتستر عليه من حقائق أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، 

 إن الكثير من الدول، تزخر دساتيرها بمواد تصون حرية وديمقراطية شعوبها وتسهل لهم طريق وصول المعارضين لمعرفة الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتفرض   عقوبات قانونية على من يضع العراقيل أمامهم، وبحق من يمارس الرشى والمحسوبية وتمرير اتفاقيات ومشاريع وهمية. إلا في بلدنا حيث يسرح ويمرح الفاسدون وبكل حرية، لا بل البعض منهم يتحكم بالقرار السياسي والاقتصادى، وتابعوه في البرلمان يصدرون القوانين التي لا تحقق مطالب انتفاضة تشرين، كما تُناقش حاليا قانون جرائم المعلوماتية الإلكترونية، بدل معالجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها الحكومة، بحيث أصبحت عاجزة عن توفير دفع رواتب موظفيها، مما اضطرها اللجوء الى الاقتراض الخارجي والداخلي. طالبة من البنوك الأهلية إقراضها المال، دون توجيه سؤال من اين جاء تراكم أرصدتها ومدى تأثير الديون على مسار التنمية والأجيال القادمة 

 إن قانون الجرائم المعلوماتية جاء يحمل صفة جنائية وليس مدنية. فقد بُني على اساس كتم أفواه بسطاء القوم، وإبقائهم كقاعدة جماهيرية لضمان أصواتهم في الانتخابات المبكرة القادمة، وبلفهم بحجة نصرة طائفتهم. في وقت تم فيه عرقلة مساعي تحقيق مطالب انتفاضة تشرين الرافعة لشعارات وطنية عامة.   

إن إجبار غلق أفواه المنادين بمجتمع مدني وبعدالة اجتماعية ، بعقوبات قاسية جاء بها قانون الجرائم الإلكترونية لكل من يعارض وجود مزدوجي الجنسية مثلا في مواقع قرار الدولة العراقية الذين جاء بهم المحتل لتطبيق خطة شملت سرقة ملياردات الدولارات، وتهربيها لموطنهم الثاني،  دون مساءلة، لكون دولهم الثانية تحافظ عليهم وعلى ما هربوه من أموال لاستثمارها في الخارج، والإصرار على إبقاء تهريب العملة عن طريق بيعها اليومي من قبل البنك المركزي دون مس، وإبقائهم في المناصب العليا، وكأن العراق قد خلا من الوطنيين الغيارى الذين تحملوا مع شعبهم الأساليب الدكتاتورية وعواقب الحروب والحصار الاقتصادي والعلمي الذي كانت وراءه أمريكا وحلفاؤها من الدول الرأسمالية وذات الطبيعة الدكتاتورية، فجريمة كتم الأفواه لفرض الصمت يتطلب وقوف كافة مكونات المجتمع، وخاصة اصحاب المشروع الروحي والذي به ينافسون المرجعيات الدينية الحقيقية في نشر ثقافة الربط بين مشاريعهم الدنوية والأخروية. أن أمثال هؤلاء مدعوون قبل غيرهم بالمحافظة على روحية رسالة الإيمان في التصدي لكل خطوة معادية لمصالح الشعب والوطن، والانخراط مع الجماهير الشعبية لرفض التصويت على هكذا قوانين مجحفة، فسكوتهم عما يجري في البلاد لا يعفيهم من مسؤولية المحاسبة، بمساهمتهم في الحكومات المتعاقبة، التي قادت الوطن نحو منزلقات يمتد تحمل وزرها إلى الأجيال القادمة ومن الصعب تجاوزها.

  

 

عرض مقالات: