عانى العراقيون على مر السنوات، الاجتهادات الخاطئة في تفسير القوانين التي لها مساس مباشر بحياتهم، ومنهم المتقاعدون الذين لحق بهم حيف كبير في هذا الشأن، آخره تفسير المادة ١٤ من التعديل الاول رقم ٢٦ لسنة ٢٠١٩ لقانون التقاعد رقم ٩ لسنة ٢٠١٤. إذ فسرت تفسيرا جانب الحق والحقيقة، لكنه ألحق الظلم بالمتقاعدين المحالين الى التقاعد قبيل نفاذ التعديل الاول المشار اليه، بادعاء ان هذه المادة جرى تنفيذها عام ٢٠١٤.
يا له من خلل قانوني لم يسبقنا فيه احد، اتحفتنا به هيأة التقاعد الوطنية بكتابها المعنون الى الامانة العامة لمجلس الوزراء بتاريخ ١٤ أيلول ٢٠٢٠، وذلك اجابة عن شكوى مقدمة الى رئيس الوزراء الكاظمي.
وقبل أن ندحض هذا الكتاب بالأدلة القاطعة، نود توجيه سؤال للخبراء القانونيين: هل يمكن ان يسبق الاجراءُ التنفيذي التشريع القانوني؟ فهيأة التقاعد ادعت أن هذه المادة التي وردت بالتعديل رقم ٢٦ لسنة 2019، جرى تنفيذها عام ٢٠١٤ بعد تشريع قانون التقاعد رقم ٩، ما يعني أن التنفيذ هنا سبق التشريع!
ولغرض توضيح حقيقة ما تم تنفيذه في القانون رقم 9، والذي تعكزت عليه هيأة التقاعد، نقول: من منا لا يعرف ان الراتب التقاعدي لمن أحيل على التقاعد قبل تاريخ نفاذ القانون رقم 9 يرتبط ارتباطا وثيقا بسلم الرواتب الوظيفية؟ فهكذا جرى الحال في سلمي رواتب ٢٠٠٤ و٢٠٠٧. فقد شمل المتقاعدون بذلك مباشرة، اسوة بالموظفين، وهذا سياق قانوني صحيح. لكن بعد تشريع القانون رقم ٢٢ لسنة ٢٠٠٨ لرواتب ومخصصات موظفي الدولة مع سلم الرواتب لسنة ٢٠٠٨، تأخر تعديل رواتب المتقاعدين في اجراء مفاجئ، فيما جرى التنفيذ فورا على الموظفين من قبل وزاراتهم، مقابل تباطؤ هيأة التقاعد في التنفيذ، بخلاف ما جرى في سلمي رواتب ٢٠٠٤ و٢٠٠٧. وبعد المتابعة مع الجهات التنفيذية، ادعت الهيأة أنها تنتظر الإيعاز من الامانة العامة لمجلس الوزراء لغرض تعديل رواتب المتقاعدين اسوة بالموظفين على سلم ٢٠٠٨. وأضافت ان الموضوع سيصار تنفيذه من تاريخ نفاذ القانون ٢٢. إلا أن الجهات التنفيذية استمرت في المماطلة وعدم التنفيذ، ما دفعنا كجمعية (الجمعية العراقية للمتقاعدين)، الى لقاء اللجنة المالية البرلمانية للاستفسار عن حقيقة ذلك، فالتقينا رئيسها، وكان وقتذاك د. حيدر العبادي، الذي أبدى استغرابه من عدم تنفيذ هيأة التقاعد القانون، وقال: «سوف اشتغل على هذا الموضوع».
لكن بالرغم من ذلك، لم ينفذ القانون، وبقي المتقاعدون يستلمون رواتبهم وفق سلم عام ٢٠٠٧ الملغي، في ظاهرة غير مسبوقة، إلى ان نفذ القانون عام ٢٠١٤. وكان من المفروض أن يعوض المتقاعد عن فروقات الرواتب للفترة من ٢٠٠٨ حتى ٢٠١٤، والتي ابتلعتها هيأة التقاعد بدون وجه حق!
نتساءل: لماذا شرعت المادة ١٤ من التعديل الاول رقم ٢٦ لسنة ٢٠١٩، والتي تنص على اعادة احتساب الرواتب التقاعدية للمحالين الى التقاعد قبل نفاذ التعديل في ٢٠١٩ بالتساوي مع الذين يحالون الى التقاعد بعد نفاذه؟ ألا يعني أن الهدف من ذلك هو إلغاء التمييز بين متقاعد قديم وآخر جديد؟
وحتى نبرهن على أن التمييز لا يزال حاصلا إلى اليوم، وندحض الوجه المظلم في تفسير هيأة التقاعد الذي لا يستند الى اي مسوغ قانوني، نسوق المثال التالي:
متقاعد محال الى التقاعد قبل نفاذ التعديل الاول رقم ٢٦، وهو بالدرجة الوظيفية الثانية ولديه خدمة تقاعدية عمرها ٤٠ سنة، ومؤهله العلمي بكالوريوس. فما هو راتبه التقاعدي الذي يتقاضاه حاليا؟
الجواب هو أن معدل الراتب الوظيفي يكون في المرحلة الاولى أقل من الدرجة الوظيفية الثانية، وهي ٧٢٣ ألفا. وتطبق المعادلة على النحو التالي: «معدل الراتب الوظيفي ٧٢٣٠٠٠ × مخصصات غلاء المعيشة ٤٠% × ١٠% مخصصات الشهادة = ٧٢٣٠٠٠ + ٣٦١٥٠٠ =١.٨٤٠٥٥».
أما قرينه المساوي له في الدرجة الوظيفية وسنوات الخدمة والشهادة، الذي يحال إلى التقاعد ابتداء من عام ٢٠٢٠، فيجري احتساب راتبه التقاعدي كالاتي: معدل الراتب الوظيفي يحسب على اساس معدل رواتب الثلاث سنوات الاخيرة وليس كما يجري التعامل به مع المتقاعد عندما يؤخذ راتب المرحلة الاولى الاقل وهي ٧٢٣٠٠٠ . فهناك امتياز آخر للموظف، وهو ان الموظف القرين تستمر علاواته السنوية لغاية نهاية المرحلة الاخيرة من الدرجة الوظيفية الاعلى، ولنقل انه وصل الى المرحلة السادسة من الدرجة الوظيفية الاعلى (الاولى) وهي 1.030000 دينار، وعند استخراج معدل الراتب الوظيفي للسنوات الثلاث الاخيرة، سيصبح المعدل ٩٧٠٠٠٠ ألف دينار، وبعد تطبيق المعادلة لاحتساب راتبه التقاعدي، سيكون الناتج كالآتي: «٩٧٠٠٠٠ + ٤٨٥٠٠٠ = ١.٤٥٥٠٠٠».
لنلاحظ الفرق بين الاثنين، وهو ١.٤٥٥٠٠٠ – ١.٠٨٤٠٠٠ = ٣٨١٠٠٠ ألف دينار. فأين المساواة!؟
وكذا الحال للدرجات الوظيفية. إذ يزداد الفارق بين الاثنين كلما وصلنا للدرجات الخاصة. حيث يصل بين المدير العام القديم والذي سيحال لاحقا إلى التقاعد، إلى مستويات عالية.
نتمنى على رئيس الوزراء ووزارة المالية واللجنتين المالية والقانونية، اتخاذ موقف لانصاف المتقاعدين في هذا الجانب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
رئيس الجمعية العراقية للمتقاعدين

عرض مقالات: