ضمن التزاماتها الدولية وتعهداتها عبر المنظمات والأطر التي تنظم العلاقات الاقليمية والعالمية بين الدول والشعوب، اعتادت العديد من البلدان تقديم المعونات والمساعدات والدعم للدول التي في حاجة ماسة وتعاني من مشاكل مستديمة في قطاعاتها المختلفة.

السويد واحدة من هذه الدول التي تمتد سياستها في الدعم والمساعدات الدولية والإنسانية الى عهد بعيد، ويندرج أيضا في هذه المساعدات ما تقدمه من دعم وتبن لحالات كثيرة تخص المهاجرين والوافدين الجدد الذين تتقطع بهم سبل العيش ليتركوا بلدانهم مضطرين لاجئين صوب السويد وغيرها من بلدان أوروبا وأمريكا وكندا، وغيرها من البلدان.. ورغم أن هذه المواقف هي حكومية ومقرة ضمن موازنات الدول وتعهداتها، إلا أنها وللأسف تتأثر أحيانا وبصورة أبعد من التصريحات، بمواقف سياسية، وقرارات تتبناها برلمانات هذه الدول ومؤسساتها التشريعية مستندة الى مواقف سياسية متذبذبة، وأحيانا متماشية مع الشعبوية والعواطف التي تفرزها الدعاية المتزايدة و إعلام مجموعات مناهضة الأجانب والتوجهات العنصرية، والذين يحملون في كل مرة المسؤولية عن تردي الأوضاع في بلدانهم، الى سياسة الهجرة والمهاجرين..

الحزب المسيحي الديمقراطي في السويد، عرف منذ زمن بمواقفه المتضامنة مع اللاجئين والمهاجرين، وكانت الكنائس في السويد، وهي الأقرب لهذا الحزب، داعمة ومساندة للكثير من الحالات الإنسانية، بما فيها فتح أبواب الكنائس لسكن وإيواء اللاجئين، وخصوصا مع موجات اللجوء الكبير التي مرت قبل سنوات، لكن الذي يدعو للغرابة هو التذبذب في مواقف هذا الحزب في السنوات الأخيرة، وخصوصا رئيسته الحالية أيبا بوش، وازدياد التصريحات التي لا يخلو بعضها من نفس عنصري واضح.

 في أغرب مقترح سياسي قدمته السيدة أيبا بوش Ebba Bush

رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي في السويد، ترى فيه أن على السويد، استخدام الأموال التي تقدمها كمساعدات للبلدان الأجنبية، في بناء سجون في هذه البلدان، ومن أجل استخدامها لاحقا، في إيواء السجناء من أصول أجنبية، بعد نقلهم إلى بلدانهم الأصلية، وتعني السجناء الذين يحاكمون في السويد، ويقضون فترات حكمهم في السجون السويدية، وبعد إن اكتظت السجون السويدية بهم، كما صرحت، وتبلغ نسبتهم اليوم ( حسب ما ترى) ٣٠% من نسبة المحكومين في عموم السويد .

المقترح لا يخلو من أساس عنصري وتمييزي ولا يراعي كون الكثير من الذين تعنيهم في المقترح قد أصبحوا مواطنين سويديين، وبعضهم منذ سنوات عديدة، وأيضا في أن تجسيد مثل هكذا مقترح واقعيا، لا يعين على حل المشاكل والأزمات التي أدت إلى ازدياد حالات الجريمة والعنف والقتل والمخدرات في المجتمع السويدي، والتي لها أسبابها في طبيعة البرامج والحلول الحكومية، وأيضا في عموم الأزمات التي تعاني منها الكثير من البلدان في أوروبا وأمريكا وغيرها، ومنها السويد، التي تؤثر وتتأثر باقتصاديات البلدان الأخرى..

الحجة التي تسوقها السيدة أيبا بوش لمقترحها، هي تزايد الضغوط التي تعاني منها السجون السويدية المكتظة بالسجناء، وخصوصا الأقسام المتخصصة بأقسام رعاية المجرمين والمدمنين، والتكاليف الباهظة التي تحملها من خزينة الدولة وما يدفعه المواطنون كضرائب ..

 

المتتبع لمواقف رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي الأخيرة، والتي سبقتها، ومنذ توليها المسؤولية في الحزب عام ٢٠١٥، سيجد الكثير من المواقف التي تتناغم وتقارب مع توجهات وتنظيرات حزب ديمقراطيي السويد العنصرية، وهو الحزب المتزايد الشعبية، والذي يحمل المهاجرين وكل الذين من أصول أجنبية مسؤولية الأزمات في المجتمع السويدي، وخصوصا ما يرتبط بازدياد حالات العنف والجريمة المنظمة وحيازة السلاح... كما لا يخفى على متابعي الشأن السويدي ملاحظة الاصطفاف والتنسيق في المواقف بين حزبي الديمقراطي المسيحي و ديمقراطيي السويد، خصوصا في الفترة الماضية التي شهدت تشكيل الحكومة السويدية الحالية، وامتدت في مواقف مختلفة من ضمنها الرأي حول ميزانية الحكومة وأشكال الانفاق وحلول أزمة كورونا والمواقف الخارجية..

لا جدال اليوم، في أن أعدادا متزايدة من المواطنين السويديين والقادمين الجدد لهذا البلد من ذوي الأصول الأجنبية والذين يتشاركون العيش في هذه البلاد الشاسعة في الجغرافيا والمحدودة في عدد السكان( عشرة ملايين)، وخصوصا الشباب، يشكلون نسبة كبيرة وسط مرتكبي جرائم العنف، وهذا الأمر يفترض أن لا يغفله عموم السياسيين والمتابعين لشؤون سياسات الهجرة وتطور مستوى العنف، ولكن السؤال الأهم يكمن في دراسة الأسباب الجوهرية التي أدت وتؤدي لهذه الظاهرة، ومحاولة تقييم السياسة الحكومية المتعلقة بقوانين الهجرة والمهاجرين، وخطط الدولة في القدرة على إيجاد فرص عمل لمواطنيها، وخصوصا الشباب منهم، وللوافدين الجدد، خصوصا في ظل أزمة اقتصادية عالمية، الانكماش في التبادلات التجارية الاقتصادية العالمية...

منظمات المجتمع المدني وكل القوى والشخصيات والرموز الاجتماعية والثقافية والسياسية، من ذوي الأصول الأجنبية، والذين ينشطون في الحياة الاجتماعية السويدية بشكل عام، مطالبون في التوقف والتفكير وصياغة الحلول، جراء استفحال حالات التطرف والعنف في السويد، ويمكنهم القيام بعمل جبار ومؤثر في هذا الجانب، وعدم الاقتصار في فعالياتهم ونشاطاتهم على احياء وتمجيد شؤون أوطانهم التي قدموا منها، ورغم أهمية ذلك، بل بالملائمة بين التوجهين..

الغريب في بعض الحلول السياسية، هنا في السويد، وفي غيرها من البلدان الأوروبية وبلدان أخري والتي تعني بالمساعدات والعلاقات الدولية، في كونها تستند للعواطف وردود الأفعال، وذات طبيعة شعبوية، ولا تخلو من قراءة موضوعية للمشاكل البنيوية المتفاقمة في البلدان ذات الدخول المحدودة أو ريعية الاقتصاد، والتي يراد منها في كل مرة أن تكون بلدانا للاستهلاك وتصريف إنتاج بضائع الآخرين...أي أن تسهم هذه المساعدات في تخفيف وطأة ومعاناة العيش في هذه البلدان، وبما فيها الضغط المعنوي ضد الأنظمة الديكتاتورية والقمعية والمستبدة لتغيير مواقفها وسياساتها تجاه شعوبها..

هل انتفت الحاجة للمساعدة في بناء المستشفيات والمدارس والبنى التحتية في هذه البلدان المحتاجة، حتى يتم اللجوء لاقتراح استخدام أموال المساعدات المقدمة من قبل السويد إليها، في تشييد سجونا للسويد فيها ؟؟

ربما يبدو مقترح رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي اليوم، أشبه بالمزحة السياسية، ولكن ليس من المستغرب أن تتكاثر مثل هذه المقترحات في الزمن القادم، وفي ظل ما نشهده من انسداد في أفق الحلول للمعضلات الاجتماعية وتزايد البطالة والعنف وأزمة كورونا وإسقاطاتها على مستوى توقف العديد من المؤسسات الإنتاجية وازدياد إعداد من فقدوا أعمالهم، وأيضا مع تعالي أصوات عدد من المنظمات ذات التوجهات اليمينية والعنصرية لأبعاد وتسفير كل من يرتكب جريمة في السويد اذا كان من أصول اجنبية وبغض النظر من كونه قد حصل على جنسية البلد وصار مواطنا سويديا..

إن من شأن سياسة أخرى من قبل الدول الأوروبية، وكل البلدان التي بإمكانها المساعدة والعون وتمتاز بقوة اقتصادياتها، في التعامل مع الظروف القاهرة في العديد من البلدان، يفترض أن تتمثل بتشجيع حكومات هذه الدول على تنويع وتطوير القطاعات المنتجة فيها، ومساعدتها عمليا في ذلك، وتمكينها من احتواء المشاكل الاجتماعية المتزايدة جراء البطالة وتزايد فاقدي العمل.

 يقول المثل السويدي،، لنعش ونرى ،Vi ska leva och se

وستحكم الأيام على ما تراه أيبا بوش، وهل ستشهد السويد سجونا لها في مراكش ومقديشو واربيل والبوسنة وكابل وبغداد، أم أن البلاد السويدية والنخب السياسية ستجد حلولا للمشاكل الاجتماعية السياسية الناشئة..

عرض مقالات: