اسبانيا من البلدان التي تحتوي على عدد كبير من المقابر الجماعية. وتعمل حكومة الأقلية لتحالف يسار الوسط التي تشكلت في عام 2018 على إلقاء الضوء على التاريخ المظلم لديكتاتورية فرانكو الفاشية. وقدم الحزب الاشتراكي الحاكم وأحزاب كتلة اليسار المؤتلفة معه اخيرا مشروع قانون ينص على فتح المقابر الجماعية وإحياء ذكرى الضحايا بعد 45 عامًا على وفاة الديكتاتور فرانكو، في محاولة لدفع ملف مراجعة التجربة المرة للفاشية الى امام. وينص مشروع “قانون الذاكرة الديمقراطية” على معالجة مسألة الضحايا بشكل نهائي. ويقدر المؤرخون وأنصار الجمهورية والشيوعيون والفوضويون وكذلك القوميون في إقليمي الباسك وكتالونيا أن المقابر الجماعية لا زالت تحوي 100- 150 ألف من ضحايا الديكتاتورية.
والهدف هو إعلان الدولة مسؤوليتها عن فتح المقابر والكشف عن هوية الضحايا، الذين اقتيد معظمهم من المنازل، وجرت تصفيتهم بعيدًا عن ساحات الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939). وفي الغالب كان الجناة أعضاء الكتائب الفاشية، الذين ما زال بإمكان ورثتهم السياسيين، حتى اليوم، المشاركة في الانتخابات. ومعروف ان تصفية المعارضين استمرت خلال عقود ديكتاتورية فرانكو الفاشية (1939-1975).
وسيجري إحصاء الضحايا وتنظيم قاعدة بيانات وطنية، على أساس فحض الحامض النووي حتى يمكن التعرف عليهم. ويقول الطبيب وعالم الأنثروبولوجيا الشرعي باكو إتكسبيريا، سيتم دمج قواعد البيانات المحلية. وتم تعيين إتكسبيريا، الذي يمتلك خبرة 20 عاما في تنفيذ عمليات استخراج الجثث وتحديد الهوية الضحايا في إقليمي الباسك وكتالونيا ولاحقًا في بعض مناطق الحكم الذاتي الأخرى، مستشارًا للحكومة الإسبانية. وكانت بعض الحكومات المحلية قد دعمت عمليات كشف محدودة عن المقابر الجماعية في مناطق سلطتها، والتي كانت تنفذها مبادرات خاصة، وتم حتى الآن فتح حوالي 700 مقبرة جماعية ضمت أكثر من 8 آلاف ضحية.
وفي المؤتمر الصحفي تحدثت نائبة رئيس الوزراء الاسباني كارمن كالفو عن “الاعتراف والتعويض والكرامة والعدالة للضحايا”. وينبغي ان يكون ممكنا إلغاء الأحكام الجائرة التي أصدرها في حينها الجناة. قد يفقد المسؤولون المتورطون في القمع والتعذيب النياشين والميداليات والامتيازات والألقاب التي منحها فرانكو في حال إقرار البرلمان لمشروع القانون. وتأمل كالفو أن يكونوا قادرين على “اعلان السلام مع الماضي” والعمل على “بناء المستقبل”.
وعلى الرغم من الإعلان أيضًا عن إنشاء مكتب مدعي عام متخصص، فان جهودا تبذل لعدم تناول إفلات المجرمين من العقاب. إن العفو الذي صدر بعد وفاة الدكتاتور مباشرة ما زال نافذ المفعول. على الرغم من أنه وفقًا للقانون الدولي، لا يمكن تقادم الجرائم ضد الإنسانية أو العفو عنها. ومن المعروف ان المحكمة العليا في اسبانيا قد قضت بالفعل، في بداية تدشين المرحلة الديمقراطية، بأن هذه الجرائم لم تكن تعتبر جرائم ضد الإنسانية وقت ارتكابها، ولهذا السبب سقطت بفعل التقادم.
ومن غير الواضح ما إذا كان ينبغي حظر المنظمات أو الأحزاب التي تمجد الديكتاتورية مثل حزب الكتائب. وعلى الرغم من أن مشروع القانون ينص على غرامات تصل إلى 150 ألف يورو لمن يمجد الديكتاتورية، إلا أنه لم يرد ذكر حظر الأحزاب التي تتبنى هذا النهج. وقالت كالفو في إشارة الى „مؤسسة فرانكو” أنه لا ينبغي دعم “مؤسسة عامة” بواردات الضرائب، في حين يركز نشاطها على تمجيد الشمولية والديكتاتوريات. ومعروف ان التبرعات لمؤسسة فرانكو معفاة من الضرائب. وتم دعمها بشكل مباشر من قبل حكومات حزب الشعب اليميني المحافظ، الذي أسسته شخصيات من حكومة فرانكو. وافتخرت حكومة حزب الشعب برئاسة رئيس الوزراء السابق ماريانو راخوي، بأن موازناتها العامة خلت من تخصيصات للتدابير التي تضمنها “قانون الذكرى التاريخية”، الذي تم تمريره في ظل حكومة الحزب الاشتراكي في عام 2007.
ولا تزال شكوك جمعيات الدفاع عن الضحايا كبيرة، ارتباطا بالمبادرات السابقة مثل مبادرة عام 2007. وقال رئيس جمعية استعادة الذاكرة التاريخية إميليو سيلفا: “إذا لم تكن هناك إرادة سياسية، فلن يكون هناك قانون مفيد”. ويعتقد بإمكانية تنفيذ العديد من الإجراءات “على الفور”. ولا يفهم لماذا يُضيع المزيد من الوقت بالمراهنة على المسار البرلماني. وتطالب منظمات الدفاع عن الضحايا “بالأفعال”، لأن المتبقين من الضحايا فقط من كانوا أطفالا عند ارتكاب الجريمة.
ومن المتوقع ان يحظى مشروع القرار بأكثرية برلمانية، لان رفضه سينحصر بحزب اليمين المتطرف فوكس وحزب الشعب اليميني المحافظ.

عرض مقالات: