مع اقتراب موعد بدء دور الانعقاد الأخير لمجلس الأمة الحالي وبالتالي اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقبلة، ومع التزايد الملحوظ للنشاط الانتخابي للعديد من المرشحين والقوى السياسية في سنة الانتخابات، وبعيداً عن أوهام الإصلاح من الداخل، وفي الوقت نفسه بعيداً عن نزعة العدمية السياسية والانعزال عن الناس، وبعد بحث وتحليل معمقين أجرتهما الحركة التقدمية الكويتية خلال السنتين الماضيتين، فإنّ الحركة التقدمية الكويتية تحدد موقفها تجاه المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة انطلاقاً من النقاط والاعتبارات التالية:

  • تأكيدنا على صحة المقاطعة في الانتخابات النيابية في 2012 و2013 كموقف سياسي احتجاجي ورافض لمرسوم قانون الصوت الواحد المجزوء، الذي لا نزال نعارضه، مع توضيح بأن المقاطعة هي موقف سياسي وليست مبدأ ثابتاً، وكانت المقاطعة ذات ضرورة ومعنى عندما كانت حركة الجماهير في صعود، على خلاف ما هي عليه اليوم.
  • سلبية الانسياق وراء الانقسام حول ثنائية المقاطعين والمشاركين في صفوف المواطنين والقوى السياسية، والتأكيد على حقيقة أن الصراع السياسي إنما يدور حول النهج الحكومي والتشريعي المتبع في إدارة شؤون الدولة وما يتم اتخاذه من سياسات وتشريعه من قوانين لمصلحة القلة المنتفعة والمتنفذة وذلك على حساب الغالبية الساحقة من المواطنين، والدفاع عن الحريات والحقوق الديمقراطية والمكتسبات الاجتماعية الشعبية ورفض المساس بها.
  • إنّ خوض الانتخابات النيابية بالنسبة لنا كتقدميين لا ينطلق من الأوهام حول القدرة على تحقيق إصلاحات وإحداث تغيير من داخل المجلس بمعزل عن دور الناس وضغط الرأي العام الشعبي، وإنما نرى أن الانتخابات والعمل البرلماني يمثلان منبراً لمخاطبة الجماهير ولتعبئة الرأي العام الشعبي للتصدي للهجوم على الحريات والحقوق الديمقراطية والمكتسبات الاجتماعية الشعبية ورفض المساس بها وفضح النهب المنظم لخيرات البلاد ومقداراتها وكشف قوى الفساد، وبالتالي لابد من ربط العمل الانتخابي والعمل البرلماني بالعمل السياسي وتشكيل الرأي العام الشعبي الضاغط.
  • الأخذ بعين الاعتبار المستجد المهم الذي برز في الانتخابات النيابية التي جرت في 26 نوفمبر 2016 والمتمثل في مشاركة أكبر نسبة تصويت في تاريخ الحياة البرلمانية الكويتية بعد مشاركة المرأة في العملية الانتخابية، إذ بلغت نسبة المشاركة 70.7 في المئة، بينما نجد في المقابل أنّ نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الأمة لعام 2012 التي جرى إبطالها كانت بحدود 60 في المئة فقط، ما يعني واقعياً أن الغالبية الساحقة من الناخبين قد شاركت في الانتخابات الماضية، وبالتالي فلم يعد ممكناً القول بإنّ هناك مقاطعة مؤثرة، وهذا مستجد مهم لا يمكننا أن نغفله أو نتجاهله، فنحن لسنا نخبة من المثقفين المنعزلين عن الناس غير معنية بتوجهاتهم، وإنما نحن حركة سياسية تعمل وسط الناس ومعنية بتلمس توجهاتهم.
  • لقد سبق أن اتخذت الحركة التقدمية الكويتية في 18 نوفمبر 2017، أي قبل نحو سنتين، قراراً بتأكيد أهمية النشاط الانتخابي والمشاركة في العمل البرلماني لتجهيز عناصر لخوض الانتخابات وللاستفادة من العمل البرلماني كمنبر لشرح سياستنا وللوصول إلى الجماهير.
  • لا تزال الانتخابات النيابية والعمل البرلماني يمثلان بالنسبة لغالبية الشعب الكويتي مجالاً مهماً للعمل السياسي، على الرغم من كل القيود والضغوط والنواقص والسلبيات التي يعانيها العملان الانتخابي والبرلماني.

 

فعلى ضوء ذلك كله قررت الحركة التقدمية الكويتية التعامل مع هذا الواقع بكل تناقضاته وتعقيداته، وفي الوقت نفسه العمل ما أمكن على تغييره عبر المشاركة في الانتخابات والعمل البرلماني ولكن من خلال اتباع أسلوب مختلف عن الأسلوب السائد في العملين الانتخابي والبرلماني، وذلك بالاستناد إلى تقاليد الحركة الوطنية الكويتية والاستفادة من تجارب المعارضة الديمقراطية في مجالس الأمة الأولى خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي عندما كان يتم الجمع والربط بين العملين الانتخابي والبرلماني من جهة والعمل السياسي الجماهيري من جهة أخرى، لتحريك الرأي العام الشعبي وتعبئته للضغط على الحكومة والمجلس من أجل مواجهة السياسات والقوانين السيئة والدفع باعتماد سياسات وتشريعات متوازنة نسبياً، وهو الخط الذي ستعتمده الحركة التقدمية الكويتية في نشاطيها الانتخابي والبرلماني وستحرص على الالتزام به، وذلك ليس لخلق معارضة نيابية تحصر نشاطها وتعزل نفسها في أروقة مجلس الأمة فحسب، وإنما لخلق معارضة شعبية ورأي عام شعبي مستنير يسند المعارضة النيابية، مهما كانت أقلية، ويسهم في تصحيح ميزان القوى المختل، ويعيد الاعتبار إلى دور الناس في الدفع نحو الإصلاح والتغيير.

الكويت في ٣٠ سبتمبر ٢٠١٩