أصحيح أن سنوات عشراً مررن على رحيل الحبيب !؟
أصحيح أن وحوش الظلام الجناة مازالوا طلقاء .. وما من أحد يسمع نداءاتنا نحن المفجوعين بغياب قديس الثقافة والتنوير !؟
يا لهذا الحزن الذي لا يهجع .. يا للنادبات اللواتي يذيب نحيبهن الصخر .. ويا لهذه الحياة من أشواك تدمي أقدامنا ونحن نغذ المسير الى حلم كامل شياع !
* * *
مقاله المميز بمنهجيته الفكرية وقيمته الجمالية، الموسوم (عودة من المنفى)، نموذج للكتابة الابداعية. وقد طاب لي، مرة، أن أصف هذا المقال الساطع بأنه “نبوءة الضحية” .. كل مقطع فيه يكشف عن أفق أرحب، وتحليل يسبر الأغوار، وأمل مضيء لانسان قدّت روحه من بلور يسير في حدائق الروح، مجسداً الفكر النيّر، والوجد الصوفي، والألق الجمالي، في تعاشق مع الموقف السياسي الرفيع.
* * *
عندما أقدم الظلاميون على فعلتهم الشنيعة كانوا يتوهمون أنهم بذلك انما ينهون مشروعه الثقافي السائر نحو المستقبل، ونموذج التنوير الذي يقض مضاجعهم، ويهدد ثقافتهم، بل ووجودهم.
وما علموا أن مصرعه سيكون خطوة على طريق الاطاحة بعالمهم، وأن ناقوسه سيظل يقرع في الشوارع، يدل الحالمين على دروب التنوير والتغيير.
وقضية كامل شياع ليست قضية اغتيال مثقف أو سياسي، وانما هي ايذان بمرحلة جديدة تحتدم فيها المعركة على البديل المنشود ومصائر الثقافة ووجهة تطور البلاد.
* * *
كامل شياع هو معلّمنا في حياته وفي رحيله .. على كتفه نتكيء، ونثق أنه لن يتخلى عنا في المسير .. فقد منحنا يده، وقميص روحه العاشقة، وفكره المتدفق بأسئلة حارقة.
واليوم تحط يمامته على جنائن أرواحنا المهجورة، فتبعث فيها الأمل والحياة ..
صار كامل شياع درباً، ونحن صرنا السائرين .. وفي كل حين نحتفظ له بآخر الزهور، لأنه يحتفظ لنا بآخر الفراشات..
كامل شياع .. قل لنا: لماذا غابت شمسك قبل الأوان ؟ لماذا هجرت بيت رغباتك المضيئة، وتركتنا في ظلال من الأرق، وأنت تعلم علم اليقين ما يلزمنا من صدر أرحب نسند عليه أشواقنا حتى نحتمل كل هذه الأحزان؟ لماذا قلتَ: وداعاً، وأنت تعلم أننا لم نكمل حديثنا ؟
كامل شياع .. أنت الذي قتلوك لأنهم علموا أنك كنت تقود انقلاباً على شريعة الظلام ..
أنت الذي سيظل شبحك يجول في بغداد .. وعيونك الخزّر لن تنام .. وجمراتك تتقد تحت رماد الأيام ..
أنت القديس الحالم الذي خسر، باستشهاده، أغلاله، وربح قلوب العاشقين ..
أنت الذي تروّي عطش أيامنا، فتنساب نهّاضة لغاياتنا الساميات ..
أنت الذي بهدي مثالك المنير نمضي الى تلك الضفاف ..
أنت الذي تأمر الندى أن يبلل عشب أيامنا المقبلات ..
أنت خطوتنا .. وينبوعنا .. والمصباح .. والراية ..
كامل شياع .. تشفى الجراح .. لكن من يشفي الذاكرة!؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
مقتطفات من كلمة قدمت في احياء الذكرى العاشرة لاستشهاد كامل شياعش

عرض مقالات: