الدارمي أو غزل  البنات :

سندس زهر ليمون لو ياسمينه

النحل  ما  ينلام من  يمر  بينه

من الألوان المحببة بالشعر الشعبي العراقي هو وزن الدارمي، ويعد الدارمي من البحر المجتث، ( مستفعلن فعلان مستفعلاتن)، أو تأتي (مستفعلاتان بدل مستفعلاتن)، وسمي بالدارمي وكما يزعمون أن أول من قاله شابة من بني دارم، وحين بحثت بجذور القبائل العربية وبخاصة العراقية لم أجد قبيلة أو عشيرة تنتهي لبني دارم، وجاء بالسيرة الحلبية أن وفدا من بني تميم حضر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم  الأقرع ابن حابس فقال، إني والله يا محمد قد قلت شعرا فاسمعه، فقال له صلى الله عليه وسلم هات أنشد، فقال:

 أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا

 إذا خالفونا عند ذكر المكارم

 وإنا رؤوس الناس من كل معشر

 وأن ليس في أرض الحجاز كدارم  فقال رسول الله صلى الله عليه  وسلم  قم يا حسان فأجبه، فقال  حسان  :

 بني درام لا تفخروا إن فخركم

يعدو وبالا عند ذكر المكارم 

وذكرت مصادر عديدة هذه الحادثة وما قيل فيها، وما يعنينيا بهذه الحادثة ذكر بني دارم ليس أكثر، وهي بهذه الحال تعد بطنا من بطون تميم القبيلة العربية المعروفة.

وأورد الدكتور هاشم العقابي رأيا لم يعزز بوقائع ثبوتية، يقول الدكتور هاشم العقابي بحلقة مسجلة لفضائية الفيحاء العراقية  أن شعر الدارمي وجد له جذر بلقى ورقم طينية أثناء التنقيبات في طلول مدينة بابل التاريخية المعروفة، ويقول أن الباحث الحلي طه باقر الذي كشف أسرار اللغة البابلية وترجمتها وجد ميزانا عروضيا يحاكي وزن شعر  الدارمي .

وأخذ الدارمي مسميات كثيرة جدا، منهم من أسماه بشعر البنات أو غزل البنات، وسبب تسميته هذه أن أغلب الشواعر كتبنه لسهولة وزنه، وكثافة معناه،

ظلمه ودرب عاثور ليلة شته وغت

روحي اشتهت ملكاك عتتني الك عت

وأغلب المرويات من الشعر الدارمي مجهول قائله .

في محافظات  الفرات الاوسط العراقية يسمى شعر الدارمي ب(البستة)، وسبب هذه التسمية أن شعر الدارمي وزنه راقص ويصلح للإنشاد بشكل جماعي أو بشكل فردي،

ربي استر اعله هواي من ممشه الغروب

زغير واخاف عليه وما ساحك دروب

ووجدت أن شعراء محافظة بابل كانوا يوشحون شعرهم من الابوذية ببيت من شعر  الدارمي يسبقه، والتوشيح هنا يعني أن الشاعر قبل أن يقرأ بيته من الابوذية يقرأ بيتا من الشعر الدارمي كمقدمة أو توضيح لشعره، يقول الشاعر الراحل محمد علي بنيان الحلي  مخاطبا صديقه الشاعر عبد الحسين صبره الحلي، حين رأى أن سفرة الطعام أمام محمد علي ولم يأكل منها شيئا، فقال لماذا لم تأكل وقد برد طعامك؟، فأجابه قائلا،

ها  ديه*  زادي اللوم يحرم عليه

من  خوّتي انصابيت  والبيه بيه

*ديه تعني خويه وربما هي من مفردة دادا فصغرت لديه، واردفه ببيت من الابوذية  يقول،

َمناچل..

تصيب الروح مو نچله مناچل/ نكبات

وهيه وهيه وياهه مناچل/ لا أتعب 

غير يكون إلي ألتذ مناچل/ حين الاكل 

أشوف الزاد ما بيه كل مزيه.

حين نضع الشعر الدارمي أمام النقد، فسنجد أن لون شعر  الدارمي مكثف بمعانيه قليل بكلماته، يعبر عن خوالج النفوس ويصل معناه بيسر تام للمقابل، وأجد أن الدارمي يصح أن نطلق عليه شعر الومضة التي شاعت كثيرا هذه الأيام سواء على صعيد الشعر الشعبي المحكي، أو على صعيد الشعر العربي الذي يكتب باللغة الفصحى.

كل هذه المقدمة جاءت بسبب صورة جميلة لإحدى الصديقات وضعتها على صفحتها بالفيس بوك، فقلت لها بيت دارمي وعن لسانها، وكأنها تجد نفسها جميلة، وهي فعلا جميلة ومثقفة  تستحق منا الإشادة بمنجزها الإبداعي، فقلت بلسان حالها،

سندس زهو ليمون لو ياسمينه

النحل  ما ينلام من  يمر  بينه

وأردفت بيتا آخر من شعر  الدارمي وقلت،

رصعة  حسن ريحان خدك يشامي

والعسل بين شفاك وگليبي ظامي

عرض مقالات: