أجل كانت مجرد ورقة عثرت عليها في صندوق قديم وعليها كتابات كثيرة كتبت بقلم رصاص، الخط يشبه خطي تماما ـ أنا اعرف خطي اذا ما كتبت بأي قلم كان ولكن بقلم رصاص تكون الصورة أكثر وضوحا ـ في اعلى الورقة ثبت تاريخ يشير الى الرقم: 24/2/1991،. تحت التاريخ مباشرة ثمة رسمه بسيطة، أجل بسيط ويشبه المستطيل، المستطيل يقترب من شكل راديو، أعني المسجل والراديو نوع ناشيونال " الموديل الذي كان سائدا للاجهزة متوسطة الحجم التي بيعت في اواخر الثمانينات عبر" أسواق الدولة المركزية " بمواجهة المستطيل الاصم كانت ثمة صورة لرجل بيشماغ منقط، ووجه منفعل ملامح تشبه تماما وجه أبي،تحت الصورة التي تشبه وجه أبي وضعت نجمة بسيطة كنت أعدها علامة تميز رسوماتي، حينها تذكرت أني من رسم البورتريت البسيط لأبي وهو يقلب بمؤشر الراديو،
خلف اللوحة البسيطة كانت ثمة كتابات ناعمة استطعت بالكاد أن اقرأها :
(
استيقظنا على صوت الانفجارات، نمنا "بالكاد" على صوت الانفجارات، لم تعد الانفجارات تخيفنا، كنا ننتظر اخبار الانسحاب "انسحاب جيشنا من الكويت" الكثير من اللغط والضجيج المنبعث من الإذاعات العالمية،. "الجيش العراقي على وشك الانكسار" "تم استسلام فرق عسكرية بكامل عدتها وعديدها الى قوات التحالف، "وهكذا تتوالى الاخبار من الجبهة عبر اذاعات قوات التحالف "صوت امريكا" "اذاعة لندن" "مونت كارلو" وكذلك الاذاعات العربية، مصر والسعودية وغيرها من الاذاعات.
وعلى الصفحة الاخرى كتبت وبخط مرتبك عنوانا يحمل كلمة "الحقيقة كما نقلتها كلمات الاب، الكلمات التي كانت تمتزج مع دخان سيكارته، رغم صوت الراديو، كان صوته أعلى واشد حزنا وحماسة من صوت المذيع الذي كان يعلن "أن اللعبة انتهت" وحينما اقتربنا من الوالد قال ـ حقا انتهت اللعبة ـ واضاف (( بدأ الهجوم البري "بعد أنتهاء مهلة" بوش " للعراق لبدء الأنسحاب من الكويت وبذات السرعة التي تشعلون فيها سكائركم شنت قوات التحالف هجومها البري، رفع مؤشر صوت الراديو، كان المذيع يصرخ <انها أغرب مواجهة عسكرية، منذ الحرب العالمية الثانية حيث يتقابل فيها أكثر من مليون جندي والاف الدبابات والعربات المدرعة، وقطع المدفعية وأنظمة الصواريخ المتنوعة، تساندهم الطائرات المقاتلة الكثير من المروحيات والبوارج والمدمرات> أكتفينا بهذا الخبر، فيما كنا نسمع من بعيد صوت المذيع وهو يعدد فجائع جيش مكسور ـ وكأنه يتحدث عن جيش أخر وليس جيشنا ــ تم أسر 5500 جندي فضلا عمن سلم نفسه.
ــ بلغ عدد الطلعات الجوية لغاية اليوم 100 ألف طلعة منذ بدء العمليات .
ــ القوات المشاركة ـ امريكا ـ بريطانيا ـ فرنسا ـ السعودية ـ البحرين ـ قطر ـ سلطنة عمان ـ الكويت ـ مصر ـ سورية)) ولم ننتظر أن ننام أو ندعي النوم حتى سمعنا صوت الاب وهو يعلن أنه فعلها أخيرا "أمر صدام حسين قواته بالانسحاب من الكويت.
ـ بلغ عدد الأبار التي تم احراقها "517" بئراً نفطية.
انتهت الورقة برسمة لوجه أبي ولكن بملامح عميقة واخاديد ومنحدرات في وجهه بدت اكثر عمقا من الرسمة الأولى!.

عرض مقالات: