في ساحة الاندلس، معالم كثيرة تحمل اهميتها تاريخيا وجماليا ، اولها نصب بغداد . المرأة الجميلة المغناج التي تجلس باسترخاء كما تخيلها محمد غني حكمت ، وهي تواجه دجلة وتدير ظهرها الى مبنى اتحاد الأدباء الذي يحرس بوابته الجواهري وهو يقف مراقبا المارة من على منصة رخامية ... امام المبنى مستشفى تاريخي هو مستشفى " الحيدري " صودر الاسم ليصبح مستشفى الشيخ زايد . من احدى شرفات المستشفى ظهر في ستينات القرن الماضي الزعيم "عبد الكريم قاسم "وهو يرفع يده السليمة الى الجماهير التي تجمعت امام المستشفى بيد واحدة بعد أن اصيبت يده اليسرى ، وليس بعيدا عن مستشفى " الحيدري " هناك مستشفى آخر يختص بأعقد أمراض العصر ، كان اسمه فيما مضى .. مستشفى "الطب النووي " وفي محاولة للتخفيف من وقع الاسم ورعبه سمي " مستشفى الأمل " .. لانه متخصص بعلاج السرطانات التي عجز الطب عن ايجاد علاج لها عبر" بلدوزر العلاج الكيميائي ـ كما سماه الروائي اسعد اللامي في روايته الرائعة " احلام العبوة الرابعة " البلدوزر الذي يكتسح كل شيء أمامه كذلك الاشعة الليزرية التي تعد الحيلة الاخيرة التي يمارسها الطب على اجساد هزلت وبانت آثار مخالب وآثار البلدوزر عليها، كنت اقف قبالة مبنى الاتحاد منتظرا سيارة تكسي حينما رأيته قريبا مني ، يسير ببطء وعيناه زائغتان تحدقان في الفضاء، خطواته بطيئة وهو يدير مسبحة صغيرة حمراء في يده ، رأيت في وجهه حزنا غريبا ، وعلى عنقه رأيت اثار الخطوط البنفسجية التي يعلمها الطبيب للمعالج لكي يمرر ذلك الاشعاع ، التقت عيوننا قبل أن يجتازني بخطوات ادار رأسه ناحية المبنى حيث كانت بوابة الاتحاد مواربة قليلا .. حينها تعانقنا .. ولم اكمل معه تبادل التحية ، اشرت اليه ناحية البقع الزرق في عنقه .. حينها قال لي انه " مجرد ورم بسيط " واطلق قهقهة عالية، وخاطبني وعيناه تتطلعان نحو تمثال الجواهري: صديقي أنا أعرف أن الأمر ميئوسا منه، ولكن الحاح الاطباء وتطميناتهم هي من قادتني لاستطلع هذا المكان، ولكن ربما سأكمل الجلسات العنقية في بلاد " شامي كابور " قريبا .. سرنا بهدوء هيمن علينا صمت أخرق، لم أجد كلمة اقولها رغم فورة العواطف والحزن في اعماقي لكنه لم يتوقف عن اطلاق النكات والضحك على دموعي التي تكاد أن تتدفق، كان صوته مبحوحا .. بعد ان شربنا الشاي في مقهى قريب .. عانقته بحرارة، وقبل ان تسقط دموعه التي كان يخفيها خلف سخرية غريبة من الحياة والموت ، حينها سقطت دموعي بغزارة، ركبت السيارة وصورته لم تفارق خيالي .....
ضد النسيان... الساخر الكبير:: الى ..روح الشاعر سعد الصالحي
- التفاصيل
- محمد علوان جبر
- ادب وفن
- 1764