في مقهى حسن عجمي، كان اللغط أكبر من الفوضى في شارع الرشيد بل أعلى، إنها فوضى اواخر أيام نيسان من عام 2003! بعد ان قطعت المسافة بين كراج باب المعظم متجهاً الى المقهى، تحول شارع الرشيد الى سوق، إذ امتلأ بباعة، يبيعون على الرصيف بضائع هي خليط من كل شيء والتي أغلبها مما كان يلقيه السراق في الشوارع، فيمكن أن نرى مجموعة مفكات قربها جزء من تاريخ العراق الحديث، ومجلات اجنبية مختلفة قربها كارتون دهن نباتي يسيح منه الدهن على بند ورق ممزق الغلاف، وقد رأيت صوراً لرئيسنا الهارب وهو يقلد ضباطا بذات الابتسامة الصفراء التي يعرفها الجميع ، ورأيت نياشيناً بالوان حمراء مصفوفة قرب مفكات انابيب المياه، اشتريت بنداً من الورق، رغم أني أشتريت بالأمس بندين، كأني ارضي نزوة في اعماقي،التي احس باستقرارها طالما هناك ورق ابيض في البيت، وعزوت الامر الى أنه مرض نفسي .. او شيء آخر، لكن صفاء صنكور، قال: " أنها حاجة ملحة لنوفر مايجب ان يكتب لاننا سنحتاج الى اكثر من مجلد " نظرت الى الاوراق البيض الناصعة التي خرجت اطرافها من الغلاف الملون المكتوب عليه ماركة الورق، وانا اتخيل مالذي يجب ان يكتب على هذا الورق، عموما كان المقهى يغص بالرواد، اغرب الرواد، المجموعة التي كانت تلعب الدومينو، وهم يضحكون ويغضبون وكأن ما يجري حولهم لاعلاقة له بهم، انزوينا في ركن المقهى .. انا وصفاء صنكور وحيدر سعيد ومؤيد البصام وعبد اللطيف الراشد، ومن ثم انضم الينا حسين حسن، اقترح مؤيد البصام، أن نغير مكان جلوسنا .. ففوضى شارع الرشيد وغبار المقهى القديمة المعتمة لايصلحان للبقاء فيها أكثر من ساعة .. اقترح أن نعيد افتتاح ملتقى الثلاثاء الذي كان يقيمه منذ زمن في مقهى الجماهير القريب من جريدة الجمهورية والذي اغلق، وافقناه واتفقنا أن تكون مواعيدنا في المقهى. في طريق العودة سار معي الشاعر عبد اللطيف الراشد، وحينما سألته الى أين.. قال ان لديه موعد مع عبد الزهره زكي في قاعة حوار.
عبد اللطيف الراشد.. شخصية تجذبك بطيبتها وهدوئها ..فهو يكتفي بالتدخين والتعليق الساخر.. والانهماك بالكتابة في كل مكان، اعرفه منذ زمن طويل، حينما كان يعمل مع الكتبي (ابو طه) في الكشك المطل على شارع السعدون قريب من مدخل شارع مقهى ابراهيم (المعقدين) وفي الطرف الآخر، كان الكتبي (بناي) يمتلك أكبر بسطية كتب في مدخل شارع السعدون .. عبد اللطيف .. يقول لي انه ومنذ وفاة أخته (بدرية) التي اهداها احدى قصائده لم يعد لأيامه معنى، ولهذا فانه يتسكع منذ الصباح الى آخر الليل حيث يضمه فندق قديم في شارع الرشيد، ثم حدثني عن حبه الشاعر عبد الزهرة زكي كثيرا .. لايسقط اسم عبد الزهره من لسانه .. اوصلت عبد اللطيف الراشد الى مقهى "حوار" عدت الى البيت وبين يدي بند الورق الذي أضفته الى بندين آخرين، اذ اصبح لدي ثلاثة بنود، وربما سأضيف بندين اخرين .. فخمسة بنود رقم معقول يمكن أن يسع ما جرى وما يجري من فوضى.
ضد النسيان.. هدايا عبد اللطيف الراشد
- التفاصيل
- محمد علوان جبر
- ادب وفن
- 1881