لمن كنا نغني "وقطارنا ابداً يفوت" يا فوزي، ولمن كانت اسطوانات الموسيقى تعزف في بيت الكرادة ويسمعها الجيران في صخب السلطة؟ ولمن كنا نودع اسرار بعضنا البعض، انت عندما رحلت الى بيروت ولم تعد قلتها ونحن نأكل "الشلغم" في ساحة الطيران فجرا، وأنا عندما غادرت اودعتك سري بأني لن أعود. لم كل هذا يا فوزي؟ امن أجل ان ترحل وتترك القصيدة ناقصة؟ لماذا يا فوزي، وانت الذي تصر على الوضوح والكمال، وتقول لا يمكن ان تكون الألف بدون همزة، والجملة لا تنتهي إلا بنقطة؟ انت ترحل وتترك الفوضى؟ . ما هكذا قلنا لبعضنا، وانا أرسل لك كتابي عنك، فقلت يا ياسين التقاطاتك مذهلة ولكني انا لست انا بل هو انا من خلال رؤياك. ولم نختلف، هكذا كان حوارنا في حدائق الاتحاد، وما يزال صدى الحوار منغمسا بتلك الخضرة، تواصلا مع حسين مردان ، عجيب امر هذه الدنيا، غاشمة وعابرة، ولا تحسب لأي شيء حساب، عجلتها تمر على اعمارنا ولم نترك إلا الكلمات، اه، ما اقسى الكلمات التي لم تقرأ؟ كلماتك يا فوزي ليست هي مدونات كتبك، كنت دائما تتكلم، تغني وانت تتكلم، ترسم وانت تتكلم، تكتب القصائد وانت تتكلم، تسمع الموسيقى وانت تتكلم، تكتب الرواية وانت تتكلم، حتى قلت لك يوما أنت شهرزاد، بلسان شاعر، دائما تنبت كلماتك حقولا من الرؤى والتأويل، اعرف أنك تكره القصائد غير المنظمة، واعرف أنك تقترب كثيرا من ادونيس، وتحسد سعدي على شعريته اليومية العالية، اعرف ان نثرك يفوق بعض قصائدك، ودواوين كثيرة لم تقترب من نثرياتك، اعرف أنك ناقد تتذوق موسيقى الكتب، واعرف أنك لا ترحم نفسك ان زلت بك الورقة. اعرف ذلك، وكنا نصطحب المعرفة معنا ليلا انا وانت ومالك المطلبي ومحسن اطميش وفاروق سلوم اتذكر ونحن نغني سكارى قبالة القصر الجمهوري ليلا والى الصباح حين القينا كل ما نملك من نقود ومحابس واحذية وجوارب واقلام وكتب في دجلة، قلنا لنطعم دجلة اسمالنا، ثم واصلنا الغناء، كموسيقى جريان دجلة، وعدنا حفاة الى بيوتنا ونحن ننشد الحرية كل من موقعه، اتذكر يا فوزي انك تقول دائما الحياة قبض ريح. اسف لأني لا اجيد التعبير مثلك، فارحم نفسك وانت في عالم الميثولوجيا، ثمة موسيقى كونية ستسمعها، وستدعوك عشتار لمائدتها الليلية، وقد يصطحبك كلكامش في بحث جديد عن الخلود. قف هناك بانتظارنا.

عرض مقالات: