مرت قبل أيام الذكرى التاسعة والعشرين لجريمة إعدام الشهيد الرياضي فالح أكرم فهمي العسكري الشجاع والرياضي الاولمبي المرموق وابن باني الرياضة ومؤسس الحركة الاولمبية العراقية الراحل اكرم فهمي، والذي أقدم النظام الدكتاتوري الصدامي على إعدامه عام 1989 بتهمة ملفقة وادعاءات باطلة كان القصد منها إبعاد وتغييب هذا الرمز الرياضي الكبير وصاحب الإرث العائلي المتألق في الساحة الرياضية والاجتماعية والإنسانية.
فقد كان فالح رياضيا مرموقا انطلق من كلية بغداد في خمسينيات القرن الماضي ليشارك نجوم العراق في اولمبياد روما عام 1960 بصحبة الرياضي البصري الرباع عبد الواحد عزيز صاحب اول ميدالية اولمبية للوطن. ويكرر فالح تألقه في دورة الكانيفو في اندونيسيا عام 1961 ثم بطولة الدورة العربية في القاهرة عام 1965 وبطولة آسيا في طهران.
وكان للشهيد دور أساسي في تنشيط ودعم الرياضة في القوات المسلحة مثلما كان والده الراحل اباً للرياضة الاولمبية والمدرسية. وبفعل هذا الإرث والتقدم اغتاظ الأدعياء وحملوا على فالح حقدا دفينا كما حملوه على كل الشرفاء وأبناء العوائل الطيبة حقدا وكيدا وتآمراً وخططوا لإنهائه وإسقاطه وفعلا تمكنوا منه.
وبمناسبة الذكرى الـ 29 لإعدامه قررنا ان نستذكر بعض تلك الأيام السوداء التي عاشها شعبنا وعوائله الصابرة ايام مقارعة الدكتاتورية وأزلامها وهي تحصد ابناء الوطن وتقتل شرفاءه ومخلصيه مع سبق الإصرار والحقد.
وقد شاركنا في هذه المناسبة شيخ الرياضيين والصديق الوفي للشهيد الراحل فالح، الدكتور باسل عبد المهدي الذي عاش تلك الساعات والأيام بصعوباتها وأحداثها ليقدمها لنا اليوم عبرة للأجيال.

ما أقدمت عليه تلبية للأخوة والصداقة

قلت للدكتور باسل: حدثنا عن تلك الأيام والساعات العصيبة؟ قال: ما أقدمت عليه هو موقف أخلاقي وتلبية لصداقتنا التي بدأناها في خمسينات القرن الماضي يوم كنا طلابا في كلية بغداد، واستجابة لنداء ام فالح الثكلى وزوجته المنكوبة. وأضاف لقد كانت أياما صعبة وقاسية، فالنظام كان في قوته وبطشه.
ذهبنا الى سجن ابو غريب وكان معي فائق العاني ومنصور السعدون وفهد خميس الضاري وغسان الهنداوي ولطيف الشطري وفريد سكمن وزوج شقيقته محمد سلمان، ووجدنا جثة الشهيد وقد تم تنفيذ الإعدام به قبل خمسة عشر يوما. ونقلناه بواسطة سيارة بيكب إلى بيت أهله، حيث طلبت امه ذلك، علما أن إدارة السجن أعلمتنا بعدم السماح بنقله الى أهاله، لكننا تجاهلنا الامر واستطاعت العائلة ان تنظر الى الشهيد نظرة الوداع الأخيرة، واقامة مراسيم العزاء الممكنة.

شوقي عبود تجاوز المحظور

وأكد الدكتور باسل على ان تلك الساعات كانت عصيبة والارتباك والخوف واقع طبيعي، لكن الدوافع الانسانية ظلت صامدة في نفوس الحاضرين، فمنهم من سعى نحو المجد. فمثلا الاستاذ شوقي عبود كان معلما للشهيد ايام دراسته في الكلية العسكرية ابى الا ان يتواجد في مقبرة باب المعظم لوداع تلميذه النجيب فالح. وكذلك كان عامر نيازي في المقبرة وبإصرار وقوة رغم التحذيرات، وساد الصمت والسكوت على الوسط الرياضي لجريمة النظام بحق احد ابطال الرياضة ونجومها.

سياسات الدكتاتورية وتشويه صورة ضحاياه

لقد حاول النظام الدكتاتوري تشويه صورة ضحاياه واعطاء الانطباع للناس بان ما يقوم به هو لخدمة المجتمع وضد اناس خارجين عن القانون، وقد ساد هذا الاعتقاد عند البعض وخاصة البسطاء والسذج، بينما الواقع شيء آخر، وهذا ما فعله مع الكثير جدا من معارضي حكمه ومع حملة الافكار والمعتقدات السياسية.
فبالإضافة إلى إعدامهم وجدناه يشوه صورتهم الإنسانية والأخلاقية، وهذا ديدن الطغاة، إذ حاول ان يلصق بالشهيد فالح اكرم فهمي تهم متعددة منها تسجيلات صوتية للتهجم على الطاغية او إقامته علاقات مشبوهة مع جهات أجنبية، وهذا كلام بعيد كل البعد عن الحقيقة، وهذا ما يعرفه كل معارف وأصدقاء فالح.
الشهيد كان ضابطا ملتزما وقائدا شجاعا ورياضيا متفوقاً، اما تلك الاقاويل والتهويشات فهي مجرد أكاذيب وافتراءات. والشهيد هو خريج الكلية العسكرية الدورة 37 وعمل مديرا للتدريب البدني والعاب الجيش، وشغل الشهيد مواقع قيادية في المكتب التنفيذي للجنة الاولمبية الوطنية. وكان رئيسا للبعثة الاولمبية العراقية في دورة لوس انجلوس عام 1984، وقد مورست ضد فالح الضابط والرياضي البارز سياسات وأفعال وممارسات انتهت باعتقاله عام 1986 وإعدامه عام 1989.
المجد والخلود للشهيد فالح ولكل شهداء الوطن والرياضة،
والخزي والعار للقتلة.. والى مزبلة التاريخ.

عرض مقالات: