في نهاية عام 1979 تحول الأمل بالعودة إلى الوطن العراق إلى ما يقرب  الواقع لا سيما قد جرى تحديد شكل هذه العودة وإمكانيتها، من حيث الاستعداد النفسي والبدني والتكنيكي، لاسيما وأن الغالبية العظمى من  رفاق الحزب وأعني به  الحزب الشيوعي العراقي  لم يألفوا الهجرة خارج الوطن وكان الشعور السائد لديهم ( لدينا ) بأن البلد أحوج ما يكون الينا وإلى كفاءاتنا وإخلاصنا في عملنا  لاسيما، وإن الحياة العملية التي سبقت الهجمة البعثية الهمجية على الحزب وعلى رفاقه، كانت قد أثبتت على أرض الواقع إبداع الشيوعيين العراقيين في أعمالهم وفي اختصاصاتهم العلمية والأدبية والفنية، فقد جرت تطورات هامة في المظاهر المتعددة في الإعلام والفنون والصحافة والموسيقى والغناء والمسرح والسينما وفي الصناعة والزراعة وغيرها، وكان الشيوعيون العراقيون متقدمين في كل المجالات ، هذه الأمور أعطت حافزا قويا ومؤثرا بأهمية عودة الشيوعيين إلى العراق لبنائه مجددا والسير به على طريق التطور والتقدم وإزالة كل مظاهر التخلف وقمع الحريات، بهذه الروحية عقد الشيوعيون العراقيون العزم للتوجه إلى العراق وهذا التوجه بحد ذاته يحتاج إلى أدواته الناجعة للنجاح ، فتم الانتقال رسميا  إلى إعلان الانتقال الرسمي للحزب الشيوعي العراقي من حزب حليف لحزب البعث الحاكم في العراق آنذاك إلى حزب معارض يخوض الكفاح  ضد نظام البعث واختار منطقة كردستان لهذا الغرض لظروفها المؤاتية، ولسهولة عودة المناضلين الشيوعيين اليها ومن ثم انطلاقهم منها إلى كل العراق، فلابد  إذن من تهيئة الرفاق وإعدادهم للمهام الجديدة ، فكان الاتفاق مع جمهورية اليمن الديمقراطية التي يوجد فيها أعداد غفيرة منهم لإعدادهم وفق إمكانياتها لمدهم  بالتجارب والخبر، فكانت هي كفؤا لما التزمت به، وكذلك مع البلدان الأخرى التي وجد فيها الشيوعيون العراقيون مؤقتا، وهكذا بدأت العودة الطوعية إلى الوطن  الذي هو بأمس الحاجة إلى تلك الكفاءات والاختصاصات الحيوية والمتعددة والتي زادت خبرتها بفعل عملها في بلدان المهجر، وكنت أنا  وزوجتي من ضمن العائدين إلى بلادنا وتزامنت عودتنا مع نشوب الحرب العراقية الإيرانية وتزايد عدد الرافضين لهذه الحرب فكانت مهامنا هي التثقيف ضد ها والدعوة لإيقافها وعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين المتحاربين وكذلك دعوة الرافضين للحرب إلى الانخراط في النضال ضد الدكتاتورية والحرب، فكان عملنا في إذاعة صوت الشعب العراقي إذاعة الحزب الشيوعي العراقي خير معين لنا لفضح الدكتاتورية بين أبناء  شعبنا الأبي، لاسيما وإن الرسائل التي كانت تصل من العمق العراقي  تؤكد وصول البث وسلامته على الرغم من التشويش المبرمج عليه من قبل السلطات الحكومية البعثية، إلا أن الرياح تجري بما لا يشتهي السفن كما يقول المثل ، فقد كان لمجريات الحرب العراقية الإيرانية دور في تبديل موقع الإذاعة، حيث احتلت القوات الإيرانية المنطقة التي كان فيها هذا الموقع،  فكان لزاما علينا البحث عن موقع آخر ، فوقع الاختيار على بشتآشان ، كموقع جديد لإعلام الحزب وللطبابة، وللمكتب السياسي، وللإدارة، وللعوائل التي وجدت لها ملاذا من جحيم البعث في كردستان. إلا أن بشت آشان لم تكن موقعا مناسبا للبث لإذاعة صوت الشعب العراقي فتقارير العمق العراقي لم تكن مفرحة، وبعد تجارب مضنية قام بها الرفاق المهندسون لاختيار الموقع المناسب، وجدوا أفضل مكان في منطقة بيانه وعاد البث عبر الأثير ليثير الرعب مجددا في النظام، وليزيد فرحة الشعب   العراقي بعودة صوته إلى الانطلاق مجددا ليزرع الآمال في نفوس أبناء شعبنا المكتوي بنار دكتاتورية البعث، وبنار حربه المجنونة مع إيران، وكان للكادر الهندسي وللعاملين في الإذاعة فرحتهم التي لا توصف.

في بشت آشان

إنها ليس تجمعا عشوائيا لمناضلين فقدوا مقراتهم السابقة بفعل مجريات الحرب العراقية الإيرانية، بل جرى وبفعل الضرورة والتوسع الحاصل الناتج من هذا التجمع إلى بزوغ ما يشبه المؤسسات المختصة بإدارة شؤون عملها ، فالطبابة وبفضل جهود الرفاق الأطباء بقيادة الرفيق الشهيد ابو ظفر والرفيق الراحل ابو كوران عمدت إلى عمل ما يشبه البطاقة الصحية للرفاق المترددين عليها وللمواطنين القاطنين في القاعدة او القرى المجاورة، وأصبح لهم تاريخهم الصحي، ويهتم الرفيق أبو بدر طبيب الأسنان المعروف إلى تأسيس عيادة طب الأسنان وتجهيزها بالمعدات الطبية الحديثة، ويقوم بتنظيم المواعيد للمراجعين من الرفاق ومن المواطنين كذلك.

 وبنفس الهمة يمارس الرفاق الحقوقيون مهامهم القانونية، وفي مسك السجلات المدنية للرفاق في الموقع وكذلك إجراء عقود الزواج وتوثيقها، كما عمدت الإدارة إلى فتح دكان يلبي حاجات الرفاق من البضائع اليومية وبالمثل نظمت المالية المركزية شؤونها، وتأسست رابطة الكتاب والصحفيين الديمقراطيين العراقيين وأقيمت الندوات الثقافية وعرضت المسرحيات واصبحت الاحتفالات بالمناسبات الحزبية والوطنية ذات نكهة جديدة وكنا نعد للاحتفال بعيد العمال العالمي في الأول من آيار 1983 ولكن..