أجهد مجلس النواب نفسه، ليقرّ قانون الاقتراض المحلي أو معالجة العجز المالي، فجر الخميس الماضي، محاولا ترحيل والتهرب من مواجهة الواقع، لتجنب الانفجار الشعبي، دون البحث عن مخرج واقعي للأزمة الاقتصادية؛ فالعقل السياسي “الريعي” الذي يتحكم بمقدّرات البلاد، ما زال يراهن على ارتفاع اسعار النفط، بعيدا عن التفكير ببدائل أخرى كتكثيف جهود مكافحة الفساد المالي والاداري، إيجاد خطة جدية لإدارة موارد البلد، وتقنين النفقات غير الضرورية والرواتب والمخصصات الخيالية، وغير ذلك.

وسمح القانون الجديد لوزير المالية، بالاقتراض من البنك المركزي والمصارف الداخلية، مبلغ 12 تريليون دينار لتمويل العجز في ميزانية العام الحالي، واستكمال دفع رواتب الموظفين. وشهدت جلسة البرلمان، فجر الخميس الماضي، مشادات كلامية مع الكتل الكردستانية، عقب اتفاق يقضي بمنح الإقليم المبلغ المطلوب (320 مليار دينار لدفع رواتب الموظفين في الإقليم)، لكن تم حذفها أثناء التصويت، وهو ما أثار غضب النواب الكرد الذين خرجوا من القاعة.

صراع جديد في مجلس النواب

ولحين التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الخلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان، اتفق الجانبان، في آب الماضي، على ارسال المركز 320 مليار دينار إلى أربيل شهريا، لتغطية جزء من نفقات موظفي الاقليم.

ويقضي نص الاتفاق أن تغطي الحكومة الاتحادية جزءاً من رواتب موظفي الإقليم بقيمة 320 مليار دينار، في حين تتولى حكومة الإقليم تغطية ما تبقى بقيمة نحو 500 مليار دينار من مبيعات النفط وإيرادات المعابر الحدودية.

وتصر قوى سياسية على تسلم الحكومة الاتحادية كامل واردات النفط الشهرية في الاقليم الى جانب واردات المنافذ الحدودية، مع المساءلة القانونية في حال الاخلال بهذه الشروط، وهو امر رفضته القوى الكردستانية، في وقت سابق.

وانسحبت الكتل الكردستانية من جلسة البرلمان بعد تصويت النواب على مقترح تقدمت به كتل نيابية تضمن: “تحدد حصة إقليم كردستان من مجموع الإنفاق الفعلي - النفقات الجارية ونفقات المشاريع الاستثمارية - بعد استبعاد النفقات السيادية المحددة بقانون الموازنة العامة الإتحادية، بشرط التزام إقليم كردستان بتسديد اقيام النفط المصدر من الإقليم وبالكميات التي تحددها شركة سومو حصراً والإيرادات غير النفطية الإتحادية، وفي حالة عدم التزام الإقليم لا يجوز تسديد نفقاته ويتحمل المخالف لهذا النص المخالفة القانونية”.

وكانت حكومة عبد المهدي قد عمدت إلى قطع رواتب موظفي الإقليم في نيسان الماضي، بعدما قالت إن أربيل لم تفِ بالتزاماتها في الموازنة، والمتمثلة بتسليم 250 ألف برميل من النفط للحكومة الاتحادية.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، خاض الجانبان، مباحثات مكثفة للتوصل إلى اتفاق لحل المسائل العالقة.

وتعقيبا على ذلك، قال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، بشار الكيكي، “حاولنا التوصل لتوافق مع القوى السياسية، وملتزمون بتنفيذ الاتفاقات مع الحكومة الاتحادية، ولم نرفض تسليم عائدات النفط او المنافذ الحدودية”، مردفا “ان الشروط التي ضمنتها بعض القوى كانت انتقامية”.

وأبدت الكتل الكردستانية، عقب تشريع القانون، رفضا تاما لـ”اقحام رواتب وحقوق الموظفين ضمن الصراعات والخلافات بين حكومتي بغداد واربيل”.

رئيس الجمهورية يؤشر “سابقة سلبية”

وعبّر رئيس الجمهورية برهم صالح، الجمعة، عن اسفه ازاء ما اسماه “غياب التوافق الوطني”، في إقرار مجلس النواب لقانون تمويل العجز المالي، في اشارة الى تجاهل احتساب رواتب إقليم كردستان.

وقال صالح في بيان تسلمت “طريق الشعب” نسخة منه، إن “إقرار قانون تمويل العجز المالي كان ضرورياً لتأمين رواتب الموظفين للأشهر الثلاثة المقبلة، وإن كان الاقتراض ليس حلاً مستداماً”.

وشدد على ضرورة “العمل الجاد في منع تكرار أزمة تمويل رواتب الموظفين، فقانون الاقتراض لا يكفي وحده في مواجهة تلك الأزمة، ولا بد من اعتماد سياسة الإصلاح الشامل في المعالجة الجذرية وحماية رواتب الموظفين كأولوية لا تتحمل التساهل”.

وابدى الرئيس صالح، تأسفا لـ”إقرار القانون بغياب التوافق الوطني، وتحديداً من المكون الكردي”، معتبرا ذلك “سابقة سلبية في العمل السياسي”.

ووجهت أطراف وشخصيات كردستانية، الخميس، دعوات عدة لرئيس الجمهورية برهم صالح، لرفض التوقيع على قانون (تمويل العجز المالي)، قبل ارجاعه الى مجلس النواب لتضمينه “حقوق الشعب الكردستاني”.

مسعود بارزاني: طعنة أخرى

من جهته، قال رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، “للأسف مرة أخرى قامت الأطراف السياسية بشيعتها وسنتها في مجلس النواب العراقي بطعن الشعب الكردي في ظهره، واستخدموا الموازنة وقوت الشعب الكردستاني كورقة للضغط على إقليم كردستان”.

وأضاف بارزاني أنه “على الرغم من أنه في العديد من المرات السابقة تم توقيع الاتفاقيات بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الفيدرالية، إلا أنه لم يتم تنفيذها”.

وتابع “إننا نرى القانون الذي أصدره مجلس النواب من دون الأخذ بعين الاعتبار أسس الشراكة والاتفاقيات موضوعا سياسيا من أجل الضغط على الإقليم ومعاقبة شعب كردستان، وهو أمر معاكس لأسس الشراكة والتوافق والتوازن بين المكونات العراقية ونوع من التضييق والمحاربة“.

وطالب بارزاني “رئاسة إقليم كردستان والبرلمان والحكومة أن يعقدوا اجتماعا مع الأطراف السياسية في الإقليم، حول هذا الموضوع والتوصل لقرار مشترك”.

تقاطع سياسي

وعلى أثر دعوة بارزاني، دعت الرئاسات الثلاث الى اجتماع طارئ لمناقشة تداعيات إقرار قانون الاقتراض، بينما أعلن عشرة نواب كرد في مجلس النواب، مقاطعتهم الاجتماع، محملين الحكومة الاتحادية وحكومة أربيل “المسؤولية إزاء هذا الوضع”.

وأكد النواب، أن “الفرصة ما تزال سانحة، وتستطيع حكومة الاقليم إرسال وفد الى بغداد، وان تسارع في ابرام اتفاق جديد وشامل وشفاف وقوي مع الحكومة الاتحادية على اساس الدستور”.

ويوم امس حيث موعد الاجتماع، أعلنت رئيسة برلمان كردستان، ريواز فايق، تأجيله، والاكتفاء بمؤتمر صحافي عقدته بحضور قوباد طالباني، نائب رئيس حكومة اقليم كردستان.

وقالت فايق خلال المؤتمر، أن “تأجيل الاجتماع جاء لتوفير ارضية انسب للاجتماع ومشاركة جميع الاطراف فيه، لمناقشة الاوضاع الراهنة في اقليم كردستان وتداعيات اقرار قانون تمويل العجز المالي من قبل مجلس النواب”.

صوت برلماني مختلف

وأعلن عدد من النواب، رفضهم الإضرار بشعب إقليم كردستان.

وجاء في بيان مشترك للنواب (مزاحم التميمي، عدنان الزرفي، محمد صاحب  الدراجي، محمد شياع السوداني)، انهم يرفضون “إضرار أبناء شعبنا في إقليم كردستان”، مشددين على ضرورة المضي “بخطوة في اتجاه رأب الصدع وتقريب وجهات النظر من أجل التوصل الى اتفاقات تصب في خدمة مواطنينا كلهم، وعلى حدٍ سواء”.

وقال النواب في بيانهم الذي طالعته “طريق الشعب”، إن “موضوع الإقتراض لا يمثل حلاً مقنعاً للأزمات الاقتصادية والمالية الحالية”، داعين الحكومة الى “البحث في إجراءات إصلاحية فورية مقنعة لمعالجة الوضع المتأزم في البلد”.

وأضافوا، ان القانون “لم يكن موضع إجماع النواب كما هي عادة القوانين والتشريعات، غير أن هناك ـ وللاسف ـ محاولات لاضفاء بُعد سياسي على القانون وتقديمه وكأنه استهدافٌ لجهةٍ معينة، ونقصد هنا أخوتنا الكرد شركاء الوطن”.

وعدّ النواب ما حصل داخل جلسة الخميس “محاولةً للتهرب من التقصير والعجز واللاجدية التي عانت منها كلتا الحكومتين ـ الاتحادية كانت أم الاقليم ـ طوال السنين السابقة”، لافتين الى أن “عدم مواجهة هذه المشاكل من الجانبين وتحديداً حكومة الإقليم كان السبب الرئيس في اشتداد الأزمة يوماً بعد آخر بل واستفحالها الى الحد الذي بلغته الآن”.

واتهم البيان الحكومة الاتحادية بـ”الفشل الواضح في إيجاد حلول للأزمة المالية، سوى الاقتراض”.

ودعا النواب الاربعة، رئاسة مجلس النواب، الى “تشكيل لجنة برلمانية مشتركة تضم نوابا من الاقليم ونوابا من سائر المحافظات للتباحث في ايجاد حلّ جذريٍّ قانوني للمشاكل الأساس بين الإقليم والحكومة الاتحادية، وتضمينه بشكل نصوص قانونية في مسودة قانون موازنة 2021 بما ينسجم مع الدستور والقانون ويحقق العدالة في توزيع الثروات بين ابناء البلد”.

نائب: الرواتب مرهونة بالاتفاق

ويقول النائب عن كتلة الفتح، مختار الموسوي، “هناك اتفاق بين الحكومة والإقليم لتسليم النفط، وأسماء الشركات التي تتولى استخراج النفط، وإيرادات المنافذ”، مؤكدا ان قانون الاقتراض “لا رجعة عنه”.

ويشير الموسوي الى مشاركة نواب كرد في التصويت على قانون تمويل العجز المالي، مشددا على ضرورة “ان يحاسب اقليم كردستان من قبل مواطنيهم”.

كما قال عضو مجلس النواب عن دولة القانون، عدنان الأسدي، إن “مجلس النواب لم يقف ضد الشعب الكردي، ولا ضد موظفي الإقليم فيما يخص قانون الاقتراض”، مشيرًا إلى أن “تشريع هذا القانون جاء بناءً على تسديد قيمة القرض من الواردات النفطية والمنافذ الخاضعة لحكومة بغداد، دون مشاركة ما تحت سيطرة حكومة إقليم كردستان”.

وأضاف في تغريدة عبر (تويتر)، “‏لم نقف ضد شعبنا الكردي ولا ضد موظفي الإقليم في تشريعنا لقانون الاقتراض، ولكننا نسدد القرض من وارداتنا النفطية والمنافذ”.

400 مليار لميناء الفاو

هذا وتضمن قانون العجز المالي، تخصيص مبلغ 400 مليار لميناء الفاو دينار. كما نص على اعتماد البصمات في الرواتب، لغرض ضمان عدم وجود “فضائيين” -موظفون وهميون -.

وقالت النائبة هدى سجاد، ان القانون تضمن أيضا تخصيصات “لدعم المزارعين”.

واضافت سجاد ان “القانون اضاف ايضاً التخصيص المالي لعقود ٣١٥ من الاجراء والعقود في كافة الوزارات والمحاضرين”.

واشادت النائبة بـ”تخصيص مبالغ مالية للمُزارعين وذلك لشراء الاسمدة وتسديد مستحقات الفلاحين من محاصيل الحنطة والشعير والشلب والذي من شأنه النهوض بالواقع الزراعي في العراق وتشجيعهم على زيادة الانتاج”.

رواتب الفضائيين “مستمرة”

وتقول عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان، ندى شاكر جودت، ان “بعض الجهات الفاسدة، سوف تستفيد من أموال القروض، من خلال صرف رواتب الموظفين الفضائيين”، مشيرة الى وجود “أرقام مرعبة لمثل هكذا موظفين”.

وصوّت البرلمان وقت اقراره القانون، الخميس الماضي، على الزام الدوائر عدم صرف اي راتب إلا عن طريق البطاقة، لكن بعض الموظفين لا يزالون يتسلمون رواتبهم بشكل مباشر من حسابات دائرته، وليس لديهم بطاقة كي كارد او ماستر كارد.

عرض مقالات: