بغيابه القسري الدراماتيكي.. فإنّ ثلمةً كببرةً قد تهدمت في مشهدنا الثقافي والابداعي البابلي والعراقي امام استشراء حالات السهولة والاستخفاف والادعاء التي نالها من كثيرين حاولوا وما زالوا في محاولاتهم البائسة الحطّ من موقع المثقف والمبدع بابليا وعراقيا..
ولمن لا يعرف أهمية المثقف العضوي الكبير والشاعر المميز والسارد الواعي (سعد الشلاه) لابد لي ان اوضح للجميع من أن بابل لم تشهد عبر تاريخها القديم والحديث الا نماذج قليلة من امثاله، وتقف الشجاعة في قول الحقّ امام الباطل اول سماته الشخصية التي رافقته شابا ورجلا، وهو يساجل بعنفوان الحقّ واشراقاته خصومه الفكريين غير مهتم بكل المخاطر التي قد تواجهه في مجالسهم الخاصة الملغومة بالكيديات والتزييف..


وكان الشعر احد وسائله الجمالية التي استثمرها لنقد الواقع العراقي الاشكالي وتداعياته اليومية ولا يمكن لأي منصف ان ينكر اهمية منجزه الابداعي شعرا وسردا فلقد كان متشبعا برؤى الروح القلقة والوثّابة في الكشف والسؤال وبناء الواقع الجديد عبر استكناه الواقع القديم واسباب افوله..
لم يكن أبو ريام طارئا على هذا المشهد المؤلم المتداعي فواجه افواجا من خصوم كانوا يتباهون بمشاكساته في امورهم التافهة البعيدة عن روح المدنية والثقافة والابداع.. كانت ثقافته الموسوعية المتنوعة وقدرته على الجدال وتطويره لآلية كتابة النص الادبي أهم سماته كمثقف يقف في طليعة المثقفين العراقيين الشجعان.. وهو اخيرا كان من اشجع من وقف امام محنة مرضه بثقة وشجاعة مخاطبا الموت ومتوعدا له في قتال الى آخر نفس باق من روحه الطاهرة.. وحين وصلني خبر رحيله بعد وفاته بدقائق بكيت امام عائلتي واحترت امام هذه الدمعات العصيّة وهي تسيل امام غياب هذا الانسان والصديق الفذ وجاءتني جملة ربما تبدو غير مألوفة في اساليب النعي العراقي حين دعوت(الناعيات) للبكاء عليه وهن من يصنعْنَ اساليبهنّ الشعائرية لإباء من يحضر مجالس النعي من النساء..(الا فلتبك الناعيات على سعد...)
هكذا تنطوي صفحة مضيئة من مشهدنا الثقافي والابداعي بغيابه القسري وهكذا نفهم اية خسارة لحقت بهذا المشهد الموار بالعطاء ...رحم الله سعدا راحلا لن يغيب عن ذاكرتنا أبدا..
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*
عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق

عرض مقالات: