الشهر التاسع من العام 1980 اندلعت نيران الحرب العراقية الايرانية، والتي استمرت كما معروف الى 8/8/1988.
ذات يوم ونيران الحرب مستعرة استدعى المقبور صدام حسين مستشاريه وطرح عليهم سؤالا افتراضيا عما سيحصل لو قامت إيران بقصف السدود المشيدة على دجلة والفرات فأجابوه (غرق كافة المدن المشيدة على ضفاف النهرين) فأوعز فورا الى اجهزة الري المسؤولة عن ادارة سد الموصل على دجلة وسد حديثة على الفرات بفتح بوابات السدين وتسريب مياه البحيرات الخزنية مقدم السدين، وتم ذلك فعلا.
افرغت سدودنا مما فيها من مياه، لكن الحرب انتهت ولم تقم إيران بقصف أي من السدين، فأغلقت البوابات في السدين وبدء بالخزن مجددا وتكونت لدينا بحيرات مائية مقدم السدين وكم تمنينا ان لا يتكرر ما قام به صدام. ولكن:
(
ليس كل ما يشتهيه المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السَفَنُ)
بعد بضعة سنوات أعلن وزير الموارد المائية عن ان العراق سيواجه في الربيع فيضانا طاغيا وأوعز بفتح بوابات السدين من جديد وتفريغ البحيرتين مما فيهما من مياه وفتحت البوابات فعلا وسربت الى الخليج المياه التي تم خزنها مقدم السدين.
وعلى ضوء الضجة التي جوبه بها تصرف الوزير اضطر صدام حسين لإعفائه وتكليف شخص آخر بمهام الوزير. وعندما اعيد غلق البوابات لم تكن تردنا المياه الكافية للتخزين، وكم أحزنني وقتها عندما شاهدت عرضا تلفزيونيا عن بحيرة سد حديثة وإذا بها بدلا من المياه قد تحول قسم واسع منها الى منبت للقصب والبردي. وهناك مشكلة اخرى واجهت الدولة العراقية هي مشكلة سد الموصل الذي كانوا يسمونه بسد صدام.
بعد بضعة سنين من تشييد السد لاحظ المعنيون ان الارض التي شيد عليها اراضي غير صخرية، اراضي جبسية تتكسر بسرعة وتشكل مسارب للمياه من البحيرة باتجاه دجلة أسفل السد. لا تختلف عن غار الجرذ الذي تسبب بانهيار سد مأرب في اليمن السعيد فالتجأوا الى التلقيم لتلك التكسرات.
وقتها علمت باستدعاء خبراء دوليين للاستعانة بخبرتهم فاقترحوا أحد حلين اذ ان السد معرض للانهيار الى الحد الذي يعتبر الآن لدى الامم المتحدة كواحد من اخطر السدود في العالم، كان ما اقترحوا اما تشييد جدار امام السد يتولى مهمة التصدي لضغط المياه الذي يواجه السد حالياً، واما تشييد سد اخر يكون بديلا عن السد الحالي وما زالت القضية عالقة، لا هذا ولا ذاك ولم يكن بمعزل عن هذه المخاطر ما جرى هذا العام اذ اضطر المسؤولون عن السد الى اطلاق كميات غير قليلة من مياه البحيرة بعد ان ارتفعت مناسيب الخزن فيها الى مستوى عال نتيجة هطول الامطار مما تسبب بمأساة العبارة المعروفة.
وهذا ما يجعلني اميل الى مقترح تشييد سد بديل وتجنيب شعبنا مآسي قد يتسبب بها انهيار السد وتمكين العراق من خزين مائي جيد مقدم السد.
بقيت مسألة الخزين الجيد الذي ينبغي ان يكون متوفرا دائما، طبعا لا يمكن ان ندع جانبا مسألة العمل المتواصل وطرق كل الابواب اقليميا ودوليا من اجل ان تصلنا حصتنا المائية من مياه دجلة والفرات كاملة باعتبارهما انهرا دولية، ينبعان من الارض التركية ويصبان في الخليج بعد المرور بأرضنا من شمالها الى جنوبها، اشير هنا الى مورد اخر لتوفير المياه مقدم السدين.
قبل بضعة سنين كتبت على صفحات طريق الشعب تحت عنوان (من تجارب الشعوب – بحيرة بايكال) وقد ورد ان العلماء السوفيات بعد ان لاحظوا ان مستوى المياه في البحيرة المعلقة في قمة سلسلة جبلية والتي يشير العلماء الى انها تحتوي نسبة 25% من المياه العذبة على نطاق الكرة الارضية كلها، قد بدأ ينخفض بعد مرور عدد من السنين على تشييد محطتي كهرباء احداهما على سفح الجبل والثانية اسفل الجبل يحرك دواليبهما تساقط المياه على شكل شلال من البحيرة الى المحطة الاولى التي يخرج منها بعد تشغيلها ليسقط من جديد كشلال على المحطة الثانية –اسفل الجبل- فاستعانوا بإمكانيات وزارة الدفاع السوفياتية التي احاطت البحيرة بسياج من صواريخ تطلق بين حين وحين تنشر بلورات تتجمع حولها الغيوم فتنزل الامطار الغزيرة على سطح البحيرة واعادوا مستوى المياه فيها الى مستواه السابق، واتذكر اني كتبت فيما كتبته ( لا يمكن ان اكون طوباويا فاطلب احاطة سدي الموصل وحديثة بسياج من صواريخ تطلق بين الحين والحين من اجل انزال الامطار الاصطناعية على بحيرتي السدين لرفع مستوى المياه فيهما).
هذا ما كتبته قبل سنوات اما الآن وعلى ضوء الواقع الحالي للخزين المائي لدينا وما قد يحصل من تطورات تؤثر سلبا على خزيننا المائي، لا يمكن ان اكون متخلفا واتمسك برأي كتبته سابقا وقد تخطته الحياة وأغمض العين عن منجزات العلم البشري وعن تجارب الشعوب، انني ارى الان وجود ضرورة للإقدام على هكذا خطوة. فاذا كان لجيراننا ان يبخلوا علينا بالمياه ويتجاوزا على حصتنا المائية واستخدام هذا الامر لضغوطات سياسية تتعارض مع سيادتنا الوطنية واستقلالية قرارنا السياسي لن تبخل علينا دنيانا إذا ما أطلقنا صواريخنا مستهدفين إنزال المطر الاصطناعي على بحيراتنا الخزنية لتوفير المياه اللازمة لزراعتنا واحتياجات اهلنا العراقيين للمياه في المدن والقرى.
انني اؤكد هنا على رأيي بان إنزال الامطار الاصطناعية على بحيراتنا الخزنية لرفع مستوى المياه فيها الى المستوى المطلوب بات ضرورة قصوى تستدعي الاسراع بتحقيقها.

عرض مقالات: