لقد كُتب لمنطقة (مجسّر الثورة في الحلة) أن تدخل تأريخ المدينة من اوسع ابوابه، وتغدو على مدى اشهر الانتفاضة مركز تحدي ابناء وبنات الحلة ومدن محافظة بابل الاخرى، لنظام الفساد والمحاصصة والقمع . جغرافياً، تقع في مركز الحلة وتحيط بها مناطق الثورة، حي الامام والطيارة.
عرفت مدينة الحلة التظاهرات تزامنا مع انطلاقتها الاولى في بغداد والعديد من المحافظات منذ شباط ٢٠١١، وكان المتظاهرون يتجمعون في (ساحة الحرية)، لكن مع الانطلاقة الجديدة والكبيرة لتظاهرات ساحة التحرير وسوح الحرية الاخرى في ١ تشرين / اكتوبر ٢٠١٩، جرى التجمع اولاً قرب مبنى المحافظة، وسار المتظاهرون سيرا على الاقدام ـ حوالي ٦ كم ـ بإتجاه مبنى المجلس، وحدث اشتباك مع قوات الشغب، وسقط شهيد هناك. وبعد ان توقفت الاحتجاجات بين ٦ تشرين اول و ٢٥ منه، وإثر تسريب تسجيلات صوتية لرئيس مجلس المحافظة وتورطه بتوجيه القوات الامنية لقمع المتظاهرين، تحول التوجه الى أن يكون تجمع كل المظاهرات امام المجلس، وبالفعل هذا ما جرى ومن كل مناطق بابل، وهنا قامت القوات الامنية بجريمة جديدة بالاعتداء على المتظاهرين السلميين وسقط يومها الشهيد (حيدر القبطان) الذي تحول الى ايقونة لانتفاضة ١ تشرين وتظاهرات بابل .-
لم تنطلق مظاهرات بابل من الفراغ، فهي انتفضت ضد مجلس المحافظة الذي اوغل في الفساد والخراب ولم يقدم اي شئ يذكر لابناء المحافظة فيما ازدادت وكبرت جيوب المسؤولين واوغلت القوات الامنية في قمعها لأية تظاهرة تندد بهؤلاء المسؤولين الذين وصلوا بالتزوير وشراء الذمم، ولتأكيد جديتهم في مواجهة الفاسدين والمطالبة بالاصلاح والتغيير الجذري، فقد نصبت الخيم وعلت المنصات ايذانا باستمرار التظاهرات والاعتصام كل يوم من ايام الاسبوع حتى وصل عددها الى (١٢٩) خيمة، وأمسى بعد ذلك الموقع المركزي للاعتصام في بابل.
لقد أضحت منطقة (مجسّر الثورة) في الحلة ايقونة بعد ان تطرزت بدماء الشهداء وصرخات المحتجين والمنتفضين، وأصبح تقليدا أن يشيّع الشهداء من هذا المكان الى مثواهم الاخير فيما زيّنت صورهم كل جوانب ساحة الاعتصام، وليس هذا فقط، بل ان الخيم والسرادق والمنصات التي انتشرت هناك كانت منوعة كتنوع الحياة في بابل، حيث الرسم والاعمال الفنية والتي شارك فيها فنانون موهوبون لتخليد الانتفاضة وأبطالها، ويحق لكل المنتفضين ان يفتخروا بحجم الالتفاف الجماهيري حولهم، إن كان من الاهالي او المارة الذين لم يبخلوا بتقديم الماء والطعام بشكل سخي يبعث على الزهو طوال فترة التظاهرات، اما المواكب الحسينية في بابل فقد كان لمعظمها نصيب في التضامن وتقديم الدعم اللوجستي.
مجدا لشهداء الحلة وبابل، وتحية للجرحى والمعاقين ومطالبة بإطلاق سراح كل المعتقلين وكشف مصير المغيبين، وتقديم الجناة والقتلة والفاسدين الى العدالة .