طريق الشعب
يؤكد متظاهرون وناشطون ومتابعون عراقيون، أن التظاهرات التي توشك أن تدخل شهرها الرابع، كتبت نهاية لعصر الخطاب الطائفي المشحون بالكراهية، والذي عرفه العراقيون بعد 2003، عبر قوى سياسية وتنظيمات طائفية مختلفة. وصار الخطاب الطائفي اليوم في العراق يعد جريمة - وفقا للكثيرين من المتظاهرين والناشطين، الذين يؤكدون أن تظاهراتهم حققت إنجازا عظيما يتمثل في بث الروح الوطنية في نفوس الشعب، وتجاوز الانتماءات الطائفية والحزبية الضيقة، في الوقت الذي تواصل فيه ميادين الاحتجاج مكافحة الخطاب الطائفي بمختلف الأساليب السلمية. وانتشرت مظاهر السخرية من شخصيات سياسية عُرفت بحديثها الطائفي طيلة السنوات الماضية، حتى بات هذا الأمر من طقوس المحتجين. وساهم انحسار الحس الطائفي والمذهبي في تراجع الفئة المستفيدة من استمرار خطاب حصر الآخر داخل "تابوهات" العزلة.
وباتت أحزاب طائفية نافذة في العراق، تخشى اليوم من تراجع مواقعها في الشارع جرّاء ارتفاع النبرة الوطنية في مواجهة ماكينات إعلامية وحزبية عملت لسنوات على إعلاء الحس الطائفي، في حين أن المتظاهرين، وغالبيتهم من مواليد نهاية تسعينيات القرن الماضي، لم تعد تنفع معهم حملات التحشيد الطائفية.
الناشط محمد علاء، وهو أحد معتصمي ساحة التحرير، يقول في حديث صحفي ان "ساحات الاحتجاج في العاصمة ترفض الطائفيين. كما أن المحتجين يمنعون أي حديث مذهبي، بعد أن أدرك غالبيتهم الكارثة التي لحقت بالبلاد خلال سنوات حكم الطائفيين. لذا عادت الانتماءات الدينية إلى خانة الحريات الشخصية المحترمة، أما الوطن فيجمع مختلف الانتماءات".
ويبيّن علاء أن "ساحة التحرير تضم جميع المكونات من كل المحافظات. فهنا شباب من كردستان يشاركون في الاحتجاجات، وأصدقاء من الموصل، والأنبار، والأمر نفسه ينطبق على ساحات مدن الجنوب. فالجميع يرفض الحديث الطائفي، والبعض بلغ حد رفض الحديث عن الألقاب والعشائر"، مؤكدا انه "لم يكن العراق طوال تاريخه بلداً طائفياً، انما الحكومات الطائفية هي المسؤولة عن كل الخراب".
وقال عضو تنسيقية تظاهرات البصرة، أكرم العيداني، إن "الخطاب الاحتجاجي لا علاقة له بالطوائف أو المذاهب، والكل يسعى إلى دولة قوية لا ترتهن إلى الانتماء القومي أو الديني، ولا تخضع لإرادة خارجية"، مؤكدا في حديث صحفي، أن "الشعب ليس طائفياً، إنما الحكومة هي الطائفية".
من جانبه أشار عضو مجلس النواب العراقي، غايب العميري، إلى أن "التظاهرات فضحت الطائفيين، ولم تعد هناك إمكانية لإعادة تشغيل ماكينة الحشد الطائفي من قبل أي جهة، وهذا النجاح يُضاف إلى النجاحات التي حققتها الثورة، ومنها تعزيز الهوية الوطنية التي حاولت أحزاب وعصابات مسلحة طمسها طيلة سنوات".
وأضاف العميري في حديث صحفي، أن "مرحلة ما بعد الثورة لا بد أن تشهد محاسبة كل السياسيين الذين تاجروا بدماء العراقيين بحديثهم الطائفي. فمعظم مشاكل البلاد السياسية والأمنية والاجتماعية كان سببها عدد من الشخصيات السياسية".
واعتبر الباحث العراقي عبد الله الركابي، أن "الخطاب السائد حاليا هو خطاب مدني علماني حطم كل القوالب التي صنعتها الأحزاب المتنفذة. فمنصب رئيس الحكومة ظل حكرا على الأحزاب الشيعية طيلة سنوات، إلا أن المتظاهرين، وغالبيتهم العظمى من الشيعة، لا يمانعون أن يتولاه سني أو مسيحي أو كردي أو تركماني. فالمهم أن لا يتبع الخارج، وهذا التوجه يسري على بقية المناصب السياسية".