طريق الشعب 

في حين يتفرّغ عراقيون كثر للاحتجاج، يسعى آخرون إلى دعمهم بطريقة أو بأخرى، او بمساندة عائلاتهم.

ويمثّل التكافل بصوره المختلفة إحدى السمات البارزة التي تميّز التظاهرات العراقية المتواصلة منذ بداية تشرين الأول الماضي في بغداد وجنوبي البلاد ووسطها، من قبيل تأمين الطعام للمحتجّين في ساحات التظاهر وتوفير احتياجات أسر تفرّغ أبناؤها أو معيلوها للاحتجاجات وللمرابطة في ساحات التظاهر.

في ساحة التحرير، يمكن للمراقب أن يلاحظ عائلات توصل مركبات محمّلة بالطعام لتوزّعه على المنتفضين. 

فاتن عبد الجبار وزوجها وأولادها من هؤلاء الذين يحرصون على إعداد وجبات غذائية وتوزيعها في الساحة.

تقول فاتن في حديث لاحد المراسلين، أن "هذا واجب وطني. فالمحتجوّن إخوتنا وأبناؤنا وأهلنا وهم بدورهم أصرّوا على الصمود في ساحات التظاهر من أجلنا جميعاً".

فاتن وعائلتها عيّنة من الذين يحرصون على عدم السماح للناشطين في ساحة التظاهر بأن يجوعوا حتى لو بقوا أياماً، وبالتالي تسهل ملاحظة وفرة الطعام في ذلك المكان. 

في المقابل، هناك عراقيون آخرون يحرصون على ألا تجوع عائلات المتظاهرين الذين تركوا أعمالهم وحياتهم اليومية وتفرّغوا للاحتجاج. 

يقول زيد عباس، وهو واحد من المتظاهرين الذين قرّروا البقاء في ساحة التحرير منذ 25 تشرين الأول الماضي، أنّه ترك عمله الذي تعتاش منه عائلته، أي زوجته وابنه الذي يتابع تعليمه في المرحلة الابتدائية، مشيرا – وهو كان يعمل في أحد المخابز – إلى أن "زوجتي اتصلت بي بعد يومَين من مشاركتي في الاحتجاجات، لتخبرني بأنّ جيراننا طلبوا منها عدم تحضير الطعام، وتكفّلوا هم بإحضاره لها ولطفلنا".

وتابع قوله ان "بعضهم زوّدها بمبلغ من المال لتتمكّن من تأمين احتياجاتها، فيما طمأنها الجميع أنّهم سوف يتكفلون بكل طلباتها وطلبات الصغير ما دمت أنا متفرّغاً للاحتجاجات". 

ويؤكد عباس أنّه ليس حالة استثنائية "فكثيرون هنا مثلي يتكفّل جيرانهم أو أقاربهم باحتياجات عائلاتهم".

ويثمّن المواطنون انخراط الشبّان في الانتفاضة من أجل تحقيق مطالب الشعب. ولأنّ في ذلك أهميّة كبرى، يحرص الناس على دعم المنتفضين والمقيمين في ساحات التظاهر من خلال مساندتهم وعائلاتهم.

الحاج فواز الهيتي الذي يملك محلّاً كبيراً لبيع المواد الغذائية في أحد أحياء بغداد، يخصص من جانبه كميات من اللحوم والأرزّ والبقوليات والسكر ومواد أخرى لتسع عائلات تسكن بجوار منزله. 

يقول الهيتي في حديث صحفي، إنّ "أرباب هذه الأسر أو معيليها يتظاهرون في ساحة التحرير، لهذا أقسم بأنّني سوف أستمر في رفد عائلاتهم بالغذاء ما داموا يتفرّغون للاحتجاج"، مؤكدا في قوله: "لست الوحيد الذي أتحمّل مثل هذه المسؤولية، فكثيرون يفعلون ما أفعله وأكثر. وأعرف تجّاراً وميسورين تكفّلوا باحتياجات مثل هذه العائلات. هؤلاء الشبّان يتظاهرون من أجلنا جميعاً وليس من أجل مصلحتهم فحسب".

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فثمّة سائقو سيارات أجرة كثر باتوا لا يتقاضون أيّ أجر لقاء توصيل الشبّان الى ساحات الاحتجاج. وبالنسبة إلى هؤلاء، فإنّه من العيب استيفاء أجر من المتظاهرين، لا بل أن ذلك يعد اهانة لوطنيّة السائق، فهؤلاء يدافعون عن حقّه.