تعرفت إلى رفيقي وصديقي كاظم عبود منتصف ستينات القرن الماضي يوم لعبنا لفريق العاصفة الاهلي أحد أبرز الفرق الشعبية البغدادية في ذلك الزمان وأفضل لاعبيها ومنهم بشار رشيد والصحفي فيصل صالح والراحل ستار خلف وصباح حاتم وجاسم محمد وكاتب هذه السطور وغيرهم. وكان يقود الفريق طيب الذكر المربي غازي عباس.
ومن هذا الوسط الراقي وما يحرك هؤلاء من قيم نبيلة واخلاق عالية وشعور وطني فياض توجهنا نحو الفكر الوطني التقدمي وانتمى اغلبنا الى الحزب الشيوعي العراقي وسعينا الى نشر افكاره بين الفرق الرياضية الشعبية، وكان كاظم عبود انشطنا واكثرنا حماساً ووعياً حيث ساهم ورفاقه بالتحرك في اوساط فرق الطليعة وشباب الاحرار وعمال بغداد والتحرير البغدادي والنهضة الكاظمي واتحاد الشعب والحضارة واتحاد الثورة وغيرها.
وتألق عبود وانضم الى فريق البريد أحد فرق الدوري الممتاز وأثر على فريقه ولاعبيه فصار الفريق علامة بارزة في الدوري العراقي والمعروف بالفريق الاحمر. ولكن هذا المنهج لم يناسب موجة (البعث) وسياسته وابعد كاظم وبعض رفاقه من غير المحسوبين على حزب السلطة.
كاظم عبود كان لاعباً مرموقاً استدعي الى المنتخب العراقي للشباب ولعب المباراة التاريخية امام منتخب المانيا الديمقراطية والتي فاز فيها الفريق الشبابي 3- صفر. سجلها يومها المبدع ابن الديوانية فالح عبد حاجم وبعدها لعب عبود بعض المباريات للمنتخب الوطني وتم ابعاده لأنه ليس مع (حزب السلطة) حتى اختفى من الميدان وتعرض الى الملاحقة واختار طريق المعارضة خاصة بعد عام 1979، واضطر الى السفر للمنفى الاجباري بعد انهيار جبهة 1973.

مقاتلة الطغاة من جبال كردستان

وكان كاظم عبود صبوراً ومعانداً وقد وجد ان العيش تحت ظل دكتاتورية نظام صدام الفاشي امر صعب، فتوجه الى ربى كردستان وانضم هناك الى رفاقه الشيوعيين لمقارعة النظام والعمل على اسقاطه. حدثني احد رفاقه بأن عبود قاتل في مناطق بشت آشان ورسكا وقاسم رش ومناطق اخرى. واضاف بأنه ورفاقه كانوا يمارسون الرياضة للحفاظ على لياقتهم البدنية رغم قساوة الظروف. واكد محدثي انه كان يتميز بأخلاقه العالية وانضباطه وكان ودوداً وبسيطاً. وقد تبوأ عدة مواقع في صفوف الانصار وتعرض الى الاصابة اكثر من مرة حتى انتهى به الحال الى مرض عضال في الرئتين ادى الى وفاته.

ماذا حلّ بعائلته ايام النظام المقبور

تميزت عائلة اللاعب كاظم عبود بتنوع فكري وسياسي علما ان الراحل عبود وشقيقه الاكبر الراحل جلوب وشقيقه الاصغر عادل كانوا محسوبين على قوى اليسار، اما اشقاؤه الشهداء الدكتور عبد الزهرة والضابط البحري محمد فكانوا إسلاميي التوجه، وتم اعدامهم لكونهم محسوبين على حزب الدعوة. اما نجله جواد الطالب في الرابع العام فقد اعدم عام 1984 دون معرفة الاسباب.
كانت سلطات الامن تبحث عن كاظم وتضغط على عائلته وتطالبهم بالاتصال به وجلبه الى بغداد، لكن العائلة ظلت صامدة ورافضة لكل الضغوطات، وكذلك كان عبود جبر والد كاظم والشهداء وامهم قد تعرضوا الى الاستدعاءات المتكررة، واخيرا أبلغوهم بإعدام ابنائهم بالتسلسل خلال اعوام 1981، 1982، 1983 وأخيرا أعدم جواد عام 1984. وهنا فقد والد كاظم النطق والكلام ثم فقد الذاكرة، اما والدته فظلت تسأل عن اولادها (الرايح والجاي وتقول شوكت يرجع الدكتور حتى يكتبلي دوه ويطيبني). حتى غادرت الدنيا مملوءة بالحسرة على ابنائها.

كاظم عبود ظل ابياً وشامخاً

ظل كاظم شامخاً وصبوراً معتداً بنفسه وتاريخه رغم صعوبة السنوات الاخيرة التي عاشها في المنفى. فقد جرت محاولات لإقناعه بالعودة الى بغداد لكنه رفض رفضا قاطعا العودة ليجد ازلام البعث الصدامي وهم يتربعون على عرش السلطة كما تركهم. لكنه وعدنا نحن اصدقاءه بالعودة عندما تنقشع غيمة الدكتاتورية وريحها الصفراء ويعود الوطن حرا بأبنائه وسعيدا بأهله.
وتحقق هذا الحلم وعاد الوطن الى احضان ابنائه وجاءنا عبود فرحا مسرورا لكنه مريض انهكته الغربة واقعدته الحياة واخذت منه شبابه وحيويته.
واليوم تمر علينا ذكرى رحيله الاولى، ففي مثل هذه الايام من العام الماضي فقدنا كاظماً شخصية وطنية ورياضية لامعة.
ولكننا في هذه المناسبة استذكرنا اشقاءه الشهداء الطبيب عبد الزهرة والكابتن البحري محمد والرياضي عادل وولده الفتى الواعي جواد لانهم كانوا رموزا وطنية نذروا حياتهم للوطن ومن أجله.
المجد والخلود للشهداء.. والخزي والعار للقتلة المجرمين اعداء الشعب.

عرض مقالات: