في كل صيف يتصاعد الحراك الشعبي، بدرجة كبيرة على خلفية الفشل المتميز في توفير الكهرباء للمواطنين وهم يعيشون في درجات حرارة لا يشك أحدٌ في أن باباً من أبواب جهنم، قد فتحت عليهم.
ويبدو أن المسؤولين العراقيين، وخاصة في وزارة الكهرباء، مصرون على بقاء العراق في ذيل قائمة الدول الفاشلة، رغم المبالغ الطائلة التي صرفت عليها، دون أن يتحسن ولو جزئياً نصيب المواطن العراقي من الطاقة الكهربائية، بل العكس هو الصحيح فالأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، ترافقها هذه المرة أزمة أخرى، لا تقل ضراوة عنها، هي شح المياه الصالحة للشرب، وحرمان الملايين منها. وهاتان الأزمتان الخطيرتان (الماء والكهرباء)، لا يستطيع أي إنسان التخلي عنهما، لانهما عصب الحياة وديمومتها.
إن الكذب حبله قصير، كما يعرف الجميع، فالتصريح الشهير، بأننا سنصدر الكهرباء إلى دول الجوار منذ عام 2013، وما تبعه من تصريحات تؤكد المرة تلو الأخرى، بأن هذا الصيف سوف يختلف عن السنوات السابقة، وسيتنعم العراقي، بالكهرباء على مدى أربع وعشرين ساعة، أثبتت كذبها وفشلها حتى في الأحياء التي طبقت فيها الخصخصة، وهي البدعة التي ابتكروها كجزء من المعالجات البائسة، والمشكوك في جدواها منذ لحظات تطبيقها الأولى.
وفي ظل هذه الأزمة الخانقة، وسلسلة الأزمات التي لا تعد ولا تحصى، هنالك من يستكثر على العراقيين، الخروج بمظاهرات جماهيرية سلمية شملت أغلب المدن العراقية، وكأن المطلوب منهم السكوت، وكيل الثناء والمديح للحكومة ووزير الكهرباء بالذات، على انجازاتهم "الباهرة" التي صارت مضرباً للأمثال لكل شعوب المنطقة!
إن التظاهرات الجماهيرية هي حق مشروع كفله الدستور العراقي لا سيما وأن المشاكل والأزمات المتراكمة والمزمنة، بلغت حداً، لو عانى عشر معشارها أي شعب آخر، لما تردد لحظة واحدة في الثورة على حكامه، ودفعهم إلى حيث يستحقون.
لا مبرر على الإطلاق، في التعامل مع المتظاهرين، بهذه القسوة المفرطة، وإطلاق الرصاص الحي عليهم، مما أدى الى استشهاد العديد منهم، وإصابة المئات، حتى وإن كان فيهم مخربون كما تقول الأجهزة الرسمية، أو من ذوي الأجندات السياسية المعادية، وهو أمر ليس مستغرباً، بسبب المعاناة الرهيبة، وعدم الوفاء بالوعود والعهود.
إن الغالبية العظمى من المتظاهرين سلميون، ويدينون بصريح العبارة، أي عمل من أعمال الشغب والتخريب، وأي اعتداء على الممتلكات العامة، ومقرات الأحزاب ويرفضونها جملة وتفصيلاً، ولهذا فمن واجب الأجهزة الأمنية، تشخيص هؤلاء المخربين والمندسين، وتقديمهم للمحاكم لينالوا جزاءهم العادل بدلاً من الاعتقالات العشوائية، التي طالت العديد من الناشطين المدنيين، وتعذيبهم، على إيدي أناس يتباهى بعضهم بأنه من الحزب الفلاني أو الجهة الفلانية!
من بين الحلول المطلوبة، الإسراع في تشكيل حكومة الكفاءات الوطنية، بعيداً عن المحاصصة والفساد، لعلها تستطيع إنهاء الأزمة وتلبية مطاليب الشعب، والى حين تشكيلها ستظل المظاهرات والحراك الجماهيري بمجمله، بمثابة القاطرة التي ستصل لا محالة الى محطتها النهائية في التغيير، وبناء دولة لكل العراقيين.

عرض مقالات: