هناك رابط بين سلامة المتظاهرين وسلمية التظاهرات، ولا بد من الاخذ به اذا ما توخينا تحقيق تقدم ملموس على كل المستويات.
فلا يمكن التفريط بسلمية التظاهرات للمطالبة بالحقوق المشروعة، واولها حق التظاهر الذي اقره الدستور العراقي بعد التغيير في 2003. فهذا الحق ليس منّة من احد، وعليه يتوجب على كافة المسؤولين في مختلف السلطات، وبالاخص القوات الامنية، الالتزام بهذا الحق اذا كانوا يرومون تأسيس دولة تعتمد المواطنة وتشيع العدالة الاجتماعية. علما ان هذه التظاهرات تشكل الخط الدفاعي الاول عن مصالح الجميع، سواء المنخرطين في تلك القوات ام ابنائهم من الاجيال اللاحقة.
ويعترض البعض عن جدوى هذه التظاهرات السلمية، وهنا نذكرهم بان هذه التظاهرات في السنوات الثلاث الاخيرة استطاعت ان تقلب " الطاولة " في الانتخابات الاخيرة، حيث تم استبعاد عددا لا يستهان به من المتنفذين والسراق والفاسدين واسقاط رؤوس كان لها دور كبير في خراب البلد. ولهذه التظاهرات فضل في ادخال مفردة " الدولة المدنية " في معظم البيوت العراقية، ناهيك عن تبني بعض الاحزاب " التحاصصية"، لهذه المفردة عن حق او باطل.
البعض الآخر يطالب بالمزيد من التصعيد. وليس المقصود التصعيد المطلبي بل التصعيد الاستفزازي الذي يصل لحد المطالبة بالانقلاب العسكري والعودة بنا الى ما قبل 2003. وهو امر لا يمكن القبول به، اذ ان "زمن" الانقلابات قد ولى بلا رجعة. وما امامنا سوى الصندوق السحري الذي يؤهل هذه الكتلة او تلك لتشكيل الحكومة الجديدة اذا ما اردنا ان نؤسس لعراق مدني ديمقراطي. فالعيب ليس في جوهر العملية السياسية، بل في تلك الاحزاب التي استنزفت موارد الوطن، خلال عقد ونصف، دون ان تقدم ما يمكن ان نفتخر، او تفتخر، به من انجازات تخدم الشرائح الكادحة والفقيرة التي لم تزد الا فقرا وعوزا، علما ان هذه الشرائح قدمت فلذات اكبادها في الدفاع عن الوطن في مواجهة القوى التكفيرية محققة الانتصار الكبير ضد " داعش".
فهل من المعقول ان يقبل "عاقل" قمع ابناء هذه الشرائح حين تخرج للمطالبة بالماء والكهرباء والعمل في بيئة نظيفة؟!