لم تتوانَ طغمة الحكم في استغلال كل ما يمكنها لترسيخ قبضتها في السلطة وإدامة وجودها فيها. ولم تسلم حتى الانتفاضة من ألاعيبها، فحاولت اختراقها بتشكيل أحزاب جديدة باسم المدنية والانتفاضة، لضمان حصتها من الأحزاب المدنية التي دخلت اخيرا في سجلات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والتي تجاوز عددها الـ ٢٤٠ حتى الآن.
نعم، لم تقف طغمة الفساد لامبالية امام ظاهرة تشكيل أحزاب جديدة، بل واحتلت موقعا خاصا في هذه الظاهرة، التي تتطلب دراسة وتفكيرا وتحليلا، خصوصا وهي في توسع مضطرد، ولا تلوح لها نهاية في وضعنا الراهن.
وجاء ذلك بُعيد ظاهرة مناقضة، طغى فيها إستهجان الانتماء الحزبي، وتفضيل الشخصيات المستقلة على الحزبية، وإنتشار الأفكار العدمية التي لا ترى جدوى في وجود الأحزاب. كذلك الخلط المفتعل بين الأحزاب جميعا وعدم تمييز بعضها عن بعض، ما عرض مواقف الأحزاب الوطنية النزيهة المكافحة من اجل خلاص الشعب من المعاناة، الى التشويه المقصود بتحميلها هي ايضا المسؤولية عن الخراب الذي سببته أحزاب الفساد.
والملفت ايضا تزاحم من وقفوا ضد الأحزاب بالمطلق على تصدر قوائم تشكيل بعض الأحزاب الجديدة!
والسؤال المشروع الذي يطرح نفسه هنا هو عن مدى حاجة النظام السياسي العراقي لهذا الكم من الأحزاب، سيما اذا دققنا في رؤى وبرامج هذه الأحزاب التي تشكلت أخيرا. فليست هناك فروق جوهرية في وثائقها، حيث يجمع الكل على نبذ المحاصصة والفساد وانتشار المليشيات، ويتبنى محاربة الإرهاب. كما ينتقد ضعف الخدمات وتراجعها، ويعرض لـ “المعالجات” و”الحلول”.
لقد تأسس عدد غير قليل من هذه التنظيمات عبر تدبير خبيث من طرف القوى المتنفذة، ضمن وجهة منظمة غايتها تشويه الحياة السياسية، وبعثرة جهود الشباب، وزيادة المشهد السياسي تعقيدا، وفي اطار سعي خبيث للانتفاع من رصيد الانتفاضة المعنوي الكبير، الذي تشكل عبر تضحيات جسام.
اما القسم الاخر من الأحزاب فقد تصدرها نهازو الفرص، الذين ابتلي بهم العمل السياسي الحقيقي. أؤلاء الذين عُرفوا ببيع مواقفهم وتسويق انفسهم بابخس الاثمان من اجل المناصب، والذين تجسدت فيهم نزعات الانانية وحب الظهور والتزعم وفرض الذات.
كل ذلك وغيره يشوه الخطوات الجادة التي اقدم ويقدم عليها شباب الانتفاضة البواسل، ومحاولاتهم الصادقة لتنظيم أوضاعهم بعد ان توصلوا الى قناعات بأهمية العمل السياسي، وبضرورة الانتظام في اطر حزبية والاستعداد للمشاركة السياسية في سبيل تنفيذ مطالب الانتفاضة وأهدافها.
وامام السيل من الأحزاب التي اسستها طغمة الفساد، باسم المدنية تارة وباسم الانتفاضة تارة أخرى، يتوجب التحذير من فخاخ هذه اللعبة معروفة المقاصد. كما لا بد بالنسبة الى الواعين من الفرز الواضح، والعمل على تنسيق نشاط قوى التغيير الحقيقية، في تحالف واسع يضم الأحزاب والشخصيات المدنية الديمقراطية، التي تتبنى قيم المواطنة والنزاهة والعدالة الاجتماعية، في اطار يتسع لكل التنوع في هذا المجتمع.

عرض مقالات: