لا خلاف حول قوة الفساد وفاعليته وإمتدادته في سلطات الدولة، وهو الحاضر في كل مشروع. حيث لم ينفذ مشروع في العراق الا وكانت للفساد حصة فيه، تستثنى من ذلك حالات نادرة لأيادٍ بيضاء. حتى أصبح حماس اي مسؤول لتنفيذ مشروع ما، مصدر  قلق مبرر عند المواطنين.  فقد  أثبتت الوقائع أن حماسة الفاسدين مرتبطة بما يحصلون عليه من نسبة في الصفقة المشبوهة للمشروع المعين. فمال الفساد، السحت الحرام، الكسب غير المشروع، هي الفواعل الكامنة وراء تحرك الفاسدين، وليس الوطن ومصلحة الشعب والحفاظ على موارده.

ان الريبة والشك في نوايا  طغمة الفساد هي في محلها، لان هذه الطغمة لم تمل ولم تكل في حركتها الدؤوبة، وهي تتفنن في طرق الاتصال وأساليب الضغط وتنظيم حملات التسويق الخادعة، ضمن مخطط استغفال خبيث لتمرير مشروع الربط السككي مع الكويت، وعرضه وكأنه فرصة لإنعاش اقتصاد البلد. والحقيقة الاقتصادية تقول ان الربط السككي مع الكويت او ايران، كما جرت المحاولات الحثيثة سابقا، لا مكسب منه للعراق سوى تقاضي فتات المال، حيث لن يكون البلد غير ممر للترانزيت، وما سيجنيه لن يزيد على  رسوم مرور البضائع. 

ان التوقيع على مشروع الربط السككي، هو توقيع على تنفيذ حكم الإعدام بميناء الفاو الكبير، الذي  تؤكد الدراسات ان عائداته السنوية يمكن ان تصل الى  ٤ مليارات دولار، فضلا عن عشرات آلاف فرص العمل التي يوفرها.

والظاهر ان الحكومة الكويتية حسبت بدقة الجدوى الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية لمشروع الربط بالنسبة اليها ارتباطا بتشغيل ميناء مبارك. لذا فتحت يدها بسخاء، كما يقال، وباشرت دفع الرشاوي للمسؤولين العراقيين وزراء و نوابا من مختلف القوى وعلى  مدى السنوات الماضية. وكان لها هدفان من ذلك، الأول هو  تعطيل العمل بمشروع ميناء الفاو الكبير الذي استجاب الفساد وعطله منذ عام ٢٠١٠ حتى اليوم، والهدف الثاني هو التوقيع على مشروع الربط السككي، كي يحرم العراق من الإمكانية التي يوفرها موقعه الجغرافي ليصبح الممر الذي يربط مصالح دول اسيا و اوربا، التي فتتركز مساعيها على تأمين استقرار العراق، بما يخدم مصالحها.

فاذا كان الدكتاتور المقبور وبفعل سياساته الهوجاء ورعونته وتفرده بالقرار وحروبه العدوانية، قد فرط من اجل الحفاظ على كرسي حكمه بحقوق العراق، وتنازل لأيران عن شط العرب، كما تنازل بذلّ للكويت عند توقيعه في خيمة صفوان على رسم الحدود، وبالنتيجة خنق العراق، فان الفاسدين يتوجهون اليوم الى اكمال ما ضيعه الدكتاتور من حقوقنا. وها هم يتأهبون للتوقيع مرة أخرى، مفرطين بمصالح العراق، ومغلقين منفذ هواء على رئته.

عرض مقالات: