ذات صباحٍ، وعند خروجي من البيت ذاهباً الى العمل، شاهدتُ كلباً يحملُ بين فكّيه قطّةً ميتة، فقلت في قرارة نفسي: ملعون قتلتها وتريد أن تأكلها؟!
وقفتُ أراقبه ماذا سيفعل.. اخذ يدور هنا وهناك الى أن وصل الى كومٍ من الرمل قرب بيت جيراننا - والقطّة ما تزال بين فكّيه. صعد على كوم الرمل وأخذ يحفر بيديه (قائمتيه الاماميتين) ثم وضع القطّة في الحفرة واهال عليها الرمل. بعدها برك بكل جسمه ضاغطا على الرمل، وغادر مهرولا.
تفاجأتُ بعمله هذا وتذكّرتُ حينها المجرمين القتلة من كل الاصناف، الذين يرمون قتلاهم على اكوام القمامة وفي الطرقات، دون أدنى شعور بالإنسانية!
الحيوان يدفن حيواناً آخر وجده ميتاً .. وبعض الناس يقوم بأعمال تأنف منها الحيوانات .. مفارقة عجيبة؟!
جلست افكّر في عالمنا المليء بالغرائب وبما لا يمت الى الانسانية بصلة.. وما نعيشه من رعب حقيقي من بعضنا، وكأننا نحيا في غابة تختلف عن غابات الدنيا !
وتساءلت: لماذا نقتل بعضنا؟ ونؤذي بعضنا؟ ما هذا الحقد الذي نحمله؟ وما هذا العنف؟ ألسنا نعيش على نفس هذه الارض؟ ونتنفس الهواء ذاته؟ ونشرب الماء الذي يجري في دجلة والفرات؟
اذاً، لماذا نقتل بعضنا؟ ومن اجل ماذا نعدم حياة انسان مثلا؟ هذا الذي رسمه الخالق في احسن تقويم، وفتح امامه الافاق ليعمّر الارض ويديمها، ولولاه لما كان لها أي معنى!
اعتقد أننا لم نفهم الحياة الحقيقية التي يعيشها الناس بلا صراع ودماء، ولم نفهم أن الانسان أغلى شيء على الارض، فاذا انهيناه اضمحلّت الارض وماتت!
لولا الانسان لما قامت مجتمعات ومدن وبلدان، ولما عمّرت ارض!
كم علينا أن نتأمل الوجود منذ بدء الخليقة وليوم الناس هذا، لنقرر ما هو رأس المال الحقيقي .. وهو الانسان بالتأكيد، فهو الحارث والزارع والساقي والباني والصانع والعاشق والكاتب وكل شيء ! وما علينا الاّ أن نحترمه ونجلّه ونعطيه حق قدره، فكل شيء مهما غلا ثمنه وعلا شأنه لن يصل الى جزيء من الذرة بالنسبة لثمن وشأن الانسان!
ولنتذكّر دائما أن الانظمة والحكومات زائلة وان الكراسي ستنخرها الارضة، وان لا احد يعيدها للحياة ويعيد صنعها سوى الانسان!