القرار الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء استثناء من الضوابط والتعليمات، بتعيين  ٤٤٠ شابا من الخريجين على ملاك وزارة الدفاع بصفة مدنيين، والذي حمل العدد (م.ر.و/د٧/٨/٢٦٨٧) والتاريخ ٥/٨/٢٠٢٠، وصدرغداة لقائه بهم أمام المنطقة الخضراء إثر اعتصامهم طيلة ٥٢ يومأ .. هذا القرار هو ما نبدأ به اليوم. 

فهو يشجع الشباب على المطالبة بفرص عمل في قطاع الدولة، ويبدو انه سيسهم في زيادة فاعليتهم الاحتجاجية الرامية الى تأمين متطلباتهم المعيشية. ذلك ان الاحتجاج  امام المنطقة الخضراء، الذي دفع رئيس الوزراء الى الاستجابة لأقرانهم، عزز قناعاتهم بأن قطاع الدولة ما زال قادرا على منح فرص عمل، واستيعاب المزيد من العاطلين. وبهذا فان ما ظلت الحكومات تردده، ومعها المختصون في شؤون المال والاقتصاد، من ان قطاع الدولة متخم بالموظفين وان مؤسساتها لا تستطيع استيعاب المزيد منهم، قد تم دحضه بقرار التعيين المشار اليه، ومعه  جرى تفنيد التبريرات التي لم تعد تقنع شابا تخرج ليجد نفسه عاطلا على قارعة الطريق!.  ومما يزيد قناعة الشباب بان الدولة مستودع هائل لفرص العمل، هذا الذي يسمعونه عن منح الأحزاب المتنفذة قوائم تعيين بالجملة، كرشوه مقابل مواصلة دعمها للحكومة. وقد اشيع أن نواب احدى القوى النافذة حصلوا على  ٥٠٠ درجة وظيفية!

 ان هذا القرار سيحفز دون شك المزيد من الشباب على الاحتجاج مطالبين بفرص عمل، حيث سيعدونه الوسيلة المتاحة للخلاص من ذل البطالة واوجاعها.  فالدرس الذي تعلموه هو ان الجلوس في البيت بانتظار التعيين لن يجدي نفعا، وان الاعتصام أمام مجلس الوزراء هو السبيل للحصول على الوظيفة. وهناك من عد قرار التعيين المشار اليه وسيلة لقياس مدى المساواة والعدالة، اللذين يجب ان يكونا المعيار في النظر الى العاطلين.

ان ما يدفع الشاب للتوجه الى القطاع العام هو كونه القطاع الوحيد حتى الآن، الذي يوفر فرص عمل بضمانات قانونية. فالقطاع الخاص لا يزال ضعيف البينة، وغير مدعوم ولا محمي، ولا تتوفر فيه الضمانات التي يوفرها قطاع الدولة. لذا فالمتوقع هو زيادة الضغط على الحكومة لمعالجة مشكلة البطالة ضمن الوزارات والمؤسسات، وستتسع هذه الاحتجاجات في الأيام المقبلة، ولا أمل في تراجعها الا اذا تحققت مطالبها، وهو ما ستعجز عنه هذه الحكومة، مثلما عجزت سابقاتها التي جعلت العراق سوقا مفتوحة بتسهيلات متاحة للدول الاقليمية المتحكمة بفي لقرار السياسي العراقي، و تابعا اقتصاديا غير منتج.

لا، لن تحل مشكلة البطالة بقرارات ارتجالية غير مدروسة، ولا بسياسة الفزعة، ولم تعد مقنعة التبريرات ولا حتى المناشدات بشأن صعوبة الأوضاع المالية. فلا اثر لذلك في عقول الشباب، الذين لم يعد بوسعهم التحمل اكثر والصبر على حكومات لا تضمن للشعب حقه في العيش الامن والكريم، فيما توفر فرص العمل باستمرار لاتباع المتنفذين. وليس من المقبول استمرار نهج توزيع الدرجات الوظيفية وكأنها هبات من المسؤول. انما الاجدر تفعيل مجلس الخدمة، وجعل الوظيفة خاضعة لمعايير المواطنة والمساواة والعدالة والكفاءة والنزاهة.

 ان حل ازمة البطالة ممكن عبر إصلاح الاقتصاد وتنويعه، ودعم قطاعي الصناعة والزراعة، الامر الذي يبدو بعيد المنال ما دامت الدول الإقليمية تضغط على العراق، وتمنعه من التحرك الحر المستقل، عادة اياه سوقا مفتوحة ومتاحة لها.

عرض مقالات: