كان هناك رئيس قبيلة في غابات أفريقيا ظالم ويسرق الكحل من العين، ولم يعترض شعب قبيلته عليه ويكشف ألاعيبه وفساده لأنه أشغلهم بخلافات مع جيرانهم وفي ما بينهم على أمور تافهة جداً، ما جعلهم يدورون كالممسوسين حول أنفسهم، لا يعون ما يحدث على أرضهم. فظلّ ينهب ويغتصب ويأكل لحم الأطفال، وهم سادرون في نومهم المغناطيسي المفتعل!
تذكّرت هذه الحكاية، وأنا اسمع وأقرأ الجدل الذي افتعلته أقلام مأجورة وحاقدة وحاسدة حول ثورة 14 تموز الخالدة، لغرض النيل من قادتها وإشغال الناس بأمور بعيدة عما هم فيه من بؤس وخراب!
فما انجزه الزعيم عبد الكريم قاسم من بناء وعمران وتغيير الحياة المعيشية للفرد العراقي نحو الأفضل والأحسن، يغيضهم ويكشف فشلهم وفسادهم ، فيما تكشف نزاهته وأعماله سوء أعمالهم. أرادوا النيل منه ، وفتح الأبواب أمام الحاقدين الذين كانت عوائلهم منتفعة أيام الملكية. ولكي يشغلوا الناس عما هم فيه من أزمات لا حصر لها، ومن جهل متفشٍ وأمراض تفتك بهم، افتعلوا حكاية (الدجاجة والبيضة) ــ اقصد ثورة أم انقلاب، متناسين أن مَنْ جاءوا بقطار امريكي في 8 شباط 1963، وقتلوا الزعيم وجماعته شر قتلة وعاثوا فسادا وسفك دماء في البلاد، هم من فتح أبواب الخراب والحروب والاقتتال الطائفي البغيض!
والأدهى من كل شيء أن الغارق حتى أذنيه في الفساد والخراب يتحدث بسوء عن الثورة وقائدها النزيه، الذي ما زال يسكن قلوب الفقراء الذين ملّكهم دوراً وشيّد لهم مدناً، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة أن تطمس الحقيقة أبداً!
ثورة 14 تموز عمّرت البلاد وشيدّت المدارس والمستشفيات والمصانع والمزارع، فماذا صنعتم انتم اليوم؟!
الثورة انتشلت الفقراء والمعوزين من أكواخ كالمقابر، لتسكنهم في بيوت ومدن حملت اسم الثورة وغيرها، هل فعلتم ربع ما فعلت؟!
هل انتشلتم البلاد والعباد من الفقر والجهل والمرض، أم حمّلتموهم أعباء كثر ليصبح الجهل والفقر والمرض سمة تميّز الناس في عصر التقدم العلمي والتكنولوجي؟!
أين الزراعة والصناعة والتجارة والتعليم والسكن اللائق والعيش الرغيد؟ وقبل ذلك اين الأمان والمحبّة ؟!
علينا أن نعي ما نحن فيه، ولا ننخدع بما يفتعله الآخرون من أزمات وحكايات أكل الدهر عليها وشرب بهدف إشغالنا. فالملكية بما لها وما عليها صارت ضمن صفحات التاريخ، وثورة 14 تموز بما لها وما عليها أيضاً، والشهيد عبد الكريم قاسم بما له وما عليه كذلك، ومن انقلب على الثورة وقتل قادتها وفتح الأبواب لسفك الدماء والخراب، صار نقطة سوداء في التاريخ. والتاريخ لا يرحم من لم يرحموا، فلنفتح عيوننا على ما نحن فيه الآن، ونترك هذه الأمور للتاريخ، لا أن ننشغل بها ليضيع كل شيء!