اعتادت الحكومات الهجينة ان تمسك العصا من الوسط، لكي تحافظ على مصالحها ومصالح القوى والاحزاب التي تمثلها، وفي مسعى خائب لإرضاء الجميع، الأمر الذي ينقلب عليها وبالاً في نهاية المطاف، فترحل مشيعة بلعنات الشعب والتاريخ.
حكومة السيد الكاظمي، التي جاءت على خلفية متخمة بالمشاكل والمصاعب، وفي عملية قيصرية اضطر اللاعبون الاساسيون وتوابعهم الى الموافقة على ولادتها، غداة فشل التشبث بالحكومة المستقيلة وعدم القدرة على انقاذها من مصيرها المحتوم ورحيلها الى المكان الذي تستحقه.
وكما هو متوقع فان المتنفذين الفاشلين لم ولن يقفوا مكتوفي الأيدي وسيضعون اكداساً من العراقيل ويفتعلون الكثير من المشاكل والصعوبات لإفشال الحكومة الجديدة، رغم محدودية ما هو متوقع منها على صعيد الانجاز السياسي والاقتصادي، وهو الشرط الذي لا غنى عنه لكسب ثقة الشعب العراقي وابنائه المنتفضين. والدليل الاكثر سطوعاً على ذلك هو تشبثهم بالمحاصصة في اختيار اعضاء الكابينة الوزارية وما دونها، بالضد مما يعلنون ويصرحون به اعلامياً ولفظياً، من انهم خصوم المحاصصة، ويعملون على اقتلاعها من الجذور.
لكنهم في حقيقة الامر مستعدون للتخلي عن كل شيء، من الشرف الى النزاهة، الى الكفاءة، وحتى الشعور الوطني، مقابل عدم التخلي عن المحاصصة، فهي خط احمر بالنسبة لهم، خط لا يسمحون بسقوطه او تجاوزه، وان كان الثمن التضحية بالآلاف، بل بعشرات الآلاف من ابناء الشعب العراقي، الامر الذي يدركه السيد الكاظمي جيداً. كما يدرك ان البرلمان الحالي لا يمثل ارادة الشعب العراقي، لأن تركيبته وكما هي العادة في كل مرة، جاءت نتيجة انتخابات توفر فيها كل شيء، الا النزاهة والصدق والعدالة. من الشحن الطائفي والقومي الى استخدام السلاح والمال السياسي المنهوب من الدولة والرشى والكوميشنات الى التزوير، الذي وصل في بعض نتائج انتخابات 2018 الى ٩٣ في المائة، كما صرح السيد سعيد كاكائي احد اعضاء المفوضية. ولهذا لا يمكن التعويل على البرلمان في المساهمة الجدية بإنقاذ الشعب العراقي من محنته.
ان حالة من التردد اخذت تتسلل الى حكومة الكاظمي، حتى بدت وكأنها تريد ان تمسك العصا من الوسط، في بعض الاجراءات والقرارات وفي تغاضيها عن استهداف المتظاهرين وساحاتهم النضالية، وهي حالة ليست في مصلحتها، ولا في مصلحة الشعب العراقي المتأهب لمنحها كامل ثقته ودعمه، اذا استطاعت ان تلبي طموحاته، وتنفذ ما ورد في برنامجها الحكومي.
انها فرصة تاريخية قد لا يجود الزمان بمثلها في المستقبل المنظور، لتحقيق ما يصبو اليه الشارع العراقي، وان كان بصورة تدريجية وخاصة اولوياته، بإجراء انتخابات مبكرة وتذليل كل الصعوبات السياسية والفنية، المفتعلة في اكثريتها.
كما توجد ضرورة للضغط على البرلمان، بمعية الحراك الجماهيري، لتعديل قانون الانتخابات واعادة بناء المفوضية على اسس سليمة، تضمن الحد الأدنى من الكفاءة وعدم التمييز بين العراقيين على اساس انتماءات اعضائها حزبياً وطائفياً وقومياً. والشروع الجدي في تعقب قتلة المتظاهرين واحالتهم الى القضاء، والالتفات الى معاناة الناس الحقيقية جراء وباء كورونا والأزمة الاقتصادية والمالية، بالاضافة الى زعزعة اركان الدولة العميقة، ولجم المليشيات والعصابات، والحد من تغوّلها ومصادرتها وظائف الدولة وهيبتها، وضرورة تقديم بعض الامثلة الناجحة على التصدي الجدي لسرطان الفساد مالياً وادارياً، بالتزامن مع توفير الخدمات الضرورية، خاصة في كارثة الكهرباء.
لا شك ان الارادة السياسية الحازمة، والاتكاء على جماهير الشعب العراقي، والمنتفضين البواسل، في تنفيذ برنامجه وخططه الطموحة، سيجعل من الكاظمي قائداً حقيقياً لمسيرة الاصلاح والتغيير، التي يطالب بها الجميع، والتي اصبحت ضرورة لا تقبل التأجيل بأي شكل من الأشكال.
كل ثلاثاء.. حذارِ مسك العصا من الوسط!
- التفاصيل
- مرتضى عبد الحميد
- آعمدة طریق الشعب
- 3112