في عام 1971 أحيل أبي على التقاعد ،، فبدأت مراجعاته لإكمال معاملة الراتب التقاعدي ، حيث السفر من الفاو إلى مركز البصرة لمراجعة دائرة التقاعد. اصطحبني ذات مرّة معه إلى الدائرة تلك ، حيث كانت للمتقاعدين قاعة استراحة ثم يأتي موظف ينادي بأسمائهم ليوجههم كلاً حسب القسم الذي سيراجعه. في القسم أيضاً شاهدت مصاطب يجلس عليها المراجعون ، ليتم إكمال معاملاتهم بعد المناداة عليهم واحداً واحدا. وفي أقل من أسبوع أكمل أبي معاملته وأعطي موعداً لاستلام الراتب ، كما أعطي ختما من البرونز باسمه للتوقيع عند الاستلام كونه لا يعرف القراءة والكتابة !
تذكرت مراجعة أبي لدائرة التقاعد وأنا اسمع واقرأ عن مأساة المتقاعدين بتوقف رواتبهم خلال الشهرين المنصرم والحالي، وهم في أمسّ الحاجة إليها في هذا الظرف العصيب الذي نمرّ فيه. بالإضافة لما يعانيه الذين أحيلوا بقرار التعديل الجائر الذي أستلب من أعمارهم ، بل أعمار كل الموظفين حالياً ، ثلاث سنوات دون أدنى حق ، وبلا دراسة جادة لعواقبه ، وهم يناشدون هذا وذاك لإكمال معاملاتهم كي يستلموا رواتبهم التي هي قوتهم وعيالهم !
في كل دول العالم إذا أحيل المواطن على التقاعد تُباشر دائرته بإجراءات معاملة تقاعده، وإكمالها ثم تسليمه مكافأة نهاية الخدمة والراتب الأولّي في حفلة تقام على شرفه، وهو جالس على الكرسي كأنه ملك زمانه. كل ذلك لأنه قدّم سنوات عمره الغضّة في سبيل خدمة الوطن والناس!
المتقاعد الذي أكمل السن القانونية أعطى كل حياته وزهرة شبابه في خدمتنا ، لهذا علينا أن نخدمه في كبره ، ونسعى لتقديم أفضل ما نستطيع من خدمات له ، كي لا يشعر انه أصبح خارج قائمة الخدمة ، بل يبقى دعامة من دعائم البناء التي نستند عليها. ومواطنونا بشرائحهم المجتمعية كافة بحاجة إلى وقفةٍ مثل هذه ، كي نشعرهم بقيمتهم الأساسية في الحياة ، وإنهم قدّموا ما عليهم ، وهذه ثمرة كدّهم وصبرهم كل هذه السنين ، كونهم عملوا وخدموا وبنوا الوطن ، لا أن نتركهم يركضون هنا وهناك لاهثين من التعب والمعاناة. علينا أن نقدّم لهم الأفضل والأمثل ، وننجز معاملاتهم بأسرع وقت وفي دوائرهم قبل أن يودّعوها !
على الحكومة والمسؤولين كافة أن ينظروا إلى معاناة المواطنين في دوائر التقاعد العامة، وفي المحافظات جميعاً، ليرفعوا الحيف عنهم ، ولنشعرهم بأن لهم دَيناً في أعناقنا وعلينا أن نفي به من خلال ذلك ، وليكن في عِلْمِنا أننا سنمرّ بنفس التجربة ذات يوم !
للمتقاعدين حقٌ على الجميع، لهذا يجب أن ننظر لهم بعين المسؤولية الكبيرة، ونرفع عنهم معاناة المراجعات وآلامها بعد وصولهم السن القانوني، الذي سنصل إليه حتما ونقف نفس موقفهم هذا! لا أن نتركهم في مهبّ الريح ينتظرون غودو الذي صار هلالاً لن يُرى حتى بالمجهر!
أيّ ضمير هذا الذي يوقف رواتب المتقاعدين أو يؤخر دفعها، وهي حقّهم ولا منيّة من أحد ابدا، حيث تم استقطاعها من رواتبهم منذ اللحظة الأولى التي باشروا فيها بالعمل ؟!
ليس مجرد كلام.. للمتقاعدين دَينٌ في أعناق الجميع / عبد السادة البصري
- التفاصيل
- oscar
- آعمدة طریق الشعب
- 3811