في سبعينيات القرن الماضي لم يكن الأول من أيار، عيد العمال العالمي، يمر من دون أن نحتفل به في البيوت أو في بساتين الرفاق في الراشدية وجديدة الشط وبهرز والهويدر..  وكل ذلك يتم التحضير له مسبقاً ويوضع البرنامج لكل فعالية في هذه المناسبة.

سأتحدث عن حب الشيوعيين للفرح والبهجة والمسرات. فهم ينتظرون المناسبات الوطنية والأممية بكل لهفة لإقامة النشاطات الثقافية والفنية والرياضية.

يُبَلغ الرفاق بموعد الاحتفال، سواء كان حفلة في بيت أحد الرفاق أم سفرة إلى أحد بساتين الرفاق والاصدقاء. ويتم تحديد الموعد، فيشرع الرفاق بدعوة الأصدقاء والعائلات القريبة لهم. وبعد ان تتهيأ مستلزمات الاحتفال، نبدأ بالتنسيق لتهيئة السيارات والتأكد من سائقيها، الذين غالبا ما يكونون من رفاقنا. 

 سأتحدث عن واحد من تلك الاحتفالات، الذي كان عبارة عن سفرة إلى جديدة الشط، وتحديدا في بستان الرفيق الفقيد طه صفوك (ابو ناصر). فقد تقرر أن يكون التجمع عند الساعة التاسعة صباحا خلف كلية الهندسة في الباب المعظم. وكان المشاركون في السفرة شبابا وشابات بعمر الورد ملابسهم بهية زاهية يطغي على غالبها اللون الاحمر، وكانوا يحملون حقائبهم.. الكل يبصر على الكل والابتسامة لا تفارق وجوههم المشرقة جمالا وبهاء.. فتلك جميلة وهذه وصال محمد شلال، وهنا سناء عبد الله ومجموعتها طالبات قسم اللغة الانكليزية في كلية الآداب - الجامعة المستنصرية. فيما تقف هناك مجموعة يتصدرها الرفيق عبد الجليل جبار.. شباب تزهو  وجوههم بالمحبة والأناقة والجمال.   

يستمر التجمع فيكبر ويكبر، ثم  تأتي سيارات النقل الكبيرة (دك النجف) ويبدأ الشباب بالصعود إليها.. سيارات تمتلئ وأخرى في الانتظار، فيما الأعداد تتزايد وتتجاوز المئات.

تسير قافلة الشيوعيين في الوقت المحدد لها، فأنهض أنا، باعتباري أحد فناني "فرقة مسرح اليوم"، لأغني من داخل السيارة، وبصوت مرتفع "عمي يابو جاكوج  خذني خذني وياك"، فتصدح الأصوات بجمالها ونغمة النساء طاغية عليها.

نواصل المسير، نصل إلى سيطرة الشعب، فيشير السائق إلينا كي نلتزم الصمت لحين عبور السيطرة..  يصمت الجميع، نعبر السيطرة، تنهض الشهيدة عبلة عبد جزعول لتغني "مكبعة ورحت أمشي يمه بالدرابين الفقيرة"، فيشرع الرفيق الشهيد عزيز، الصابئي الجميل، بالرقص بين كراسي السيارة ابتهاجا، ويتفاعل معه الجميع وتشاركه الرفيقات والرفاق بالرقص والغناء. ويستمر الغناء، حتى نلمح السائق المرحوم حسين سليمة، وهو من قرية الحويش، على مقعده رافعا منديله وراقصا ابتهاجا، وصادحا بـ "اليمشي بدربنه شيشوف يابو علي"، فيقابله الجميع بابتسامة كبيرة.

 نصل إلى "جديدة الشط"، وهناك يكون الرفيق الشهيد جبار صفوك في انتظارنا على الشارع العام. تقف السيارات، ندخل إلى شارع محاط بأشجار البرتقال والليمون والنخيل العالي.. ندخل البستان فنجده مجهزا بكل احتياجاتنا. يترجل الرفاق من السيارات، تحمل الرفيقات الحقائب، نستقر في المكان المخصص لنا، نجلس على شكل دائرة كبيرة بعد أن توضع الحقائب في مكانها المخصص، فيدخل الرفيق عريف الحفل، وغالبا ما تعهد هذه المهمة لي أنا من قبل اللجنة المنظمة للسفرة.

بعدها تلقى التحية على الرفاق، ثم نقف دقيقة صمت في ذكرى شهداء الطبقة العاملة، ليلقي أحد الكوادر الحزبية من الموجودين معنا كلمة الحزب.

 ثم ينطلق الاحتفال الفني والاغاني والشعر والمشاهد المسرحية وبعض المبادرات الخاصة من الرفاق. بعدها تنهض الرفيقات وبعض من الرفاق لتهيئة وجبة الطعام، وغالبا ما اكون انا ضيفا ثقيلا على الجميع! لأنني، وكما أتذكر، لم اجلب يوما معي في أي سفرة اشارك فيها، شيئا، ومع ذلك كانت المجموعات تتنافس في ما بينها داعية إياي للجلوس إلى موائدها. وكنت حينها أمزح مع الجميع وأقول "عندي حساسية من الصرف"، فيبتسمون من الأعماق.

بعد تناول الغداء نتجول في البستان، ونتناول الفاكهة من أشجاره. علما ان ضيافة الرفاق آل صفوك لا توصف في الكرم.

نعود بعدها إلى دائرة الاحتفال، فتساهم الرفيقة أحلام  في إدارة الاحتفالية وتعلن عن بدء مسابقة الإجابة عن الأسئلة الفكرية والثقافية والفنية. بعدها تعلن عن فتح باب التبرع بالمال، فيتبرع كل الرفاق بحسب إمكانياتهم. ثم يجري توزيع الهدايا على الرفاق والاصدقاء، وغالبا ما تكون كتبا من مؤلفات سياسية وأدبية وفكرية.

بعد ذلك يعلن الرفيق عريف الحفل نهاية الاحتفال، ويدعو الجميع إلى التوجه نحو السيارات، فنحمل الحقائب لمساعدة الرفيقات، ونعود إلى مقاعدنا في السيارات، ومنها إلى بيوتنا، حاملين نشوة الفرح وبهجة الاحتفال بعلاقات نقية خالية إلا من المحبة والصدق والقيم العظيمة.

تحية للأول من أيار عيد العمال العالمي

تحية للطبقة العاملة العراقية في عيدها العالمي المجيد

المجد والخلود لشهداء الطبقة العاملة العراقية     

عرض مقالات: