اليوم فرحت كثيراً وابتهجت اكثر، وكانت سعادتي بادية على وجهي ودموعي تهطل بين الحين والآخر لأني وجدت أبناء وطني يتفاعلون ويعملون مثل خلية نحل. هذا يحذر ذاك من سقوط القنابل والدخان، وذاك يقدم البيبسي لصديقه، والآخر يعطي كمامة للمقاومة، وجماعة تقدم وجبات الطعام للثوار، وآخرون يقدمون الماء لأحبتهم.
لم اشاهد حساسية ولا تناحراً ولا غضباً مع بعض في ساحة التحرير وتوابعها، بل الجميع قلوبهم على بعض ومشاعرهم مع الجميع.
لقد غبت عن ساحة التحرير منذ تظاهرات 2011 بسبب وضعي الصحي، لكني عدت اليوم فوجدت تضامنا وشعوراً عالياً بالمسؤولية الوطنية، ومقاومة عنيفة ضد الفساد والطائفية والمحاصصة. وجدت أبناء وطني يقدمون نماذج إنسانية واخلاقية راقية، وشعورا بالمسؤولية العراقية، وموقفا موحدا تجاه الواقع المرير الذي عشناه منذ 16 عاما حيث فقدنا الهوية العراقية وصارت الهوية الفرعية (العشائرية والطائفية والاثنية والمناطقية) هي الغالبة والمتغلبة علينا.
لكنها انسحبت اليوم وعادت الى الوراء بعد ان رفضها الشعب الواعي ووجدها مؤامرة كبيرة زرعها الأجنبي بين أبناء الوطن الواحد، والكل يحمل علما عراقيا والجميع يساعد الجميع ويعاونهم.
لقد وجدت الفقراء والكادحين من أصحاب (التك تك) ينقلون المصابين والجرحى من المتظاهرين بلا مقابل، ووجدت المرأة العراقية الباسلة تشارك بقوة مع شقيقها في المقاومة والهتافات والحث على تحقيق الثمار لمصلحة الشعب وبهتافات سلمية، وكانت الشجاعة هي الصفة الأولى التي تحلى بها أبناء وطني من الجنسين. وكان لرجال الإسعاف دورهم المتميز والداعم والمساند حتى رجالات الدفاع المدني والشرطة ممن تعاونوا مع المتظاهرين وهم قادمون الى ساحة التحرير، كانوا بمستوى المسؤولية حقا.
هنا تذكرت حكاية من الزمن الصعب والفاشي الصدامي. كان علي حسن المجيد المعروف بـ (علي كيمياوي) قد شغل في الثمانينات منصب مدير الامن العام، وقد عقد مرة اجتماعا لمدراء امن المحافظات وتحدث اليهم عن واجباتهم وضرورة قمعهم أي نشاط وموقف معادي للسلطة. هنا انبرى احد المدراء امن المحافظات قائلا: سيدي نحن بحاجة الى سيارات راجمة للحجارة وسيارات بخراطيم مياه لغرض تفريق ومقاومة المتظاهرين الذين يخرجون على النظام"، تعجب علي كيمياوي وسأله: هل ان من يخرج على نظام صدام حسين تعالجه بخراطيم المياه والحجارة؟ اعلم يا مدير... ان من يخرج على صدام حسين ونظامه نملأ فمه وصدره بالرصاص، وان كنت لا تفهم هذا فاخرج من القاعة وتلقِّ حسابك.
تذكرت هذه الحكاية وانا استمع لبعض رجالات اليوم ممن آمنوا بمنهج وسلوك وسياسة صدام حسين وازلامه، يتعاملون مع المتظاهرين والمحتجين والمطالبين بالحقوق والعدالة بذات العقليات الشمولية والدكتاتورية ولا يحترمون إرادة الشعب والجماهير ومطالبها، ويستخدمون العنف والرصاص الحي وبذات عقليات الزمن الماضي لانهم لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بالتداول السلمي للسلطة، بل وليسوا من هذا الزمان!

عرض مقالات: