من المعلوم ان الاقتصاد ينمو ويتطور في بلد ما عند توفر عاملين رئيسين وهما مرونة الاسواق في التعامل مع الاستيراد الخارجي وفقا لحجم الطلب الداخلي وقدرة الاقتصاد على تحريك الطاقات الانتاجية في القطاعات كافة التي تتوفر لها عوامل الانتاج والبيئة المناسبة والمرونة الكافية التي تستجيب لطلب الاسواق الداخلية والخارجية. ان هذه العوامل متوافرة على كامل الجغرافية الاقتصادية العربية.
لقد عبر برنامج الحزب الشيوعي العراقي الذي اقره مؤتمره العاشر المنعقد في اوائل كانون الاول عام 2016 عن هذا الهدف بالتأكيد على اعادة بناء العلاقات الاقتصادية مع البلدان العربية والاقليمية ودول العالم الاخرى على اساس المصالح المشتركة ودعم وتشجيع اشكال التعاون في مختلف المجالات. واشار العديد من المسؤولين العرب الى هذا التوجه في العديد من المناسبات، فضلا عن مواقف قوى وشخصيات سياسية وبرلمانية تؤكد اهمية انفتاح العراق على محيطه العربي.
ان قيام السوق العربية المشتركة بين عدد من الدول العربية كانت قد استهلته اربع دول هي العراق والاردن وسوريا ومصر والتحقت بها كل من ليبيا والسودان وجمهورية اليمن الديمقراطية سابقا والجمهورية العربية اليمنية وموريتانيا تنفيذا لقرار مجلس الوحدة العربية رقم 17 في 13/8/1964. وهذه المبادرة التاريخية التي لم تزل تحتفظ باهميتها كانت منطلقة في حينها من مبررات موضوعية سواء كانت سياسية تتعلق بمحاصرة الكيان الصهيوني المحتل للاراضي الفلسطينية والمستمرة حتى اليوم بعد ان اقام علاقات مع السوق الاوربية المشتركة او تعاظم الطاقة الاستيرادية للدول العربية من دول العالم والتي تجاوزت 66 مليون طن في عام 2010 او حاجة هذه الدول ما بين 25 و50 في المائة من احتياجاتها الغذائية ولجوئها لاستيراد ما بين 40 و50 في المائة من الحبوب من اجمالي الاستهلاك فضلا عن تحقيق كل من العراق واليمن ولبنان وفلسطين ما نسبته بين 11 و30 في المائة من اجمالي السلع المستوردة في نفس العام.
ويبدو ان الاتفاقات الثنائية بين الدول العربية كالاتفاقيات المبرمة بين العراق والاردن او بين العراق وجمهورية مصر العربية وبعض بلدان الخليج العربي رغم بعض المعوقات يمكن ان تعزز التوجه لاعادة الوصول الى اقتصاد عربي مشترك ينبض بالحيوية واعادة الحياة للسوق العربية المشتركة على اساس بناء استراتيجية اقتصادية تنموية تصب في صالح الشعوب العربية وتسهم في تحسين ظروفها الاجتماعية.
غير ان السوق العربية المشتركة على الرغم مما كانت تنطوي عليه من اهداف في انعاش اقتصاديات الدول العربية وانجاح استراتيجياتها التنموية فقد واجهتها عقبات كبيرة تتجسد في الاختلاف بين نظمها السياسية والضغوط السياسية والدبلوماسية التي تمارسها الدول الكبرى ذات المصلحة في ابقاء تلك الاقتصاديات تدور في فلك النظام الرأسمالي المعولم، وسوقا لتصريف منتجاتها ومصدرا لتصدير النفط لديمومة حركة آلتها الصناعية والاستفادة من الاستثمارات العربية الغنية بثرواتها المالية، لكن للحياة منطقها الخاص فالسوق العربية المشتركة رغم كل تلك التحديات فانها تبقى ضرورة ملحة لانعاش اقتصاديات هذه الدول للاسباب التالية:
1. امتلاك الدول العربية العديد من القواسم المشتركة التي تسمح بتفعيل السوق العربية المشتركة في المرحلة الراهنة تماشيا مع الظروف الدولية الجديدة.
2. امكانية التقارب في المواقف السياسية المختلفة بسبب المخاطر الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقية وتهدد عمليات التنمية وتنعكس آثارها السلبية على المصالح المشتركة للدول العربية.
3. في ظل عولمة الاقتصاد فان الحكومات العربية مطالبة بالتخلي عن الآليات القديمة في حماية اقتصادها الداخلي.
4. ان الضرورة واحكامها تقتضي البحث عن آليات عودة رؤوس الاموال العربية لاستثمارها ضمن الاقتصاد العربي، خاصة وان ساحة السوق العربية تمتاز بالسعة والحاجة الى المزيد من المبادلات التجارية وتوسيع طاقاتها الانتاجية في قطاعات الصناعة والزراعة والاسكان والسياحة.
الا تكفي هذه الاسباب لكي تبادر جامعة الدول العربية لعقد مؤتمر خاص على اعلى المستويات لدراسة المشاكل التي تواجه الاقتصاد العربي وتعيد الحياة للسوق العربية المشتركة واستثمار مواردها الطبيعية والبشرية بطريقة أفضل؟