أثار الاعلان عن نية تضمين مفردات البطاقة التموينية " حفنة" عدس لكل مواطن توزع في شهر رمضان الكريم، زوبعة من التعليقات الساخرة. وهي تعليقات محقة عموما، اذ ما تجاوزنا البعض منها .
فالبطاقة التموينية اخذت في التآكل التدريجي، حتى اختزلت اليوم بمواد ثلاث او اربع، ومنها ما يختفي لاشهر ، مع عدم انتظام التوزيع ، وما يصاحب ذلك من تجاوزات وثغرات ، فيما يتواصل الحديث عن الفساد الذي صاحبها ولما يزل .
اذا كان البعض لا يحتاج مفردات البطاقة التموينية هذه، فهناك الملايين التي تمس حاجتها اليها، سواء استخدمت موادها مباشرة او اعادت بيعها للحصول على بمبلغ من المال يعتبر بحد ذاته ثروة للمعوزين والمحتاجين وعامة من لا يجدون قوت يومهم .
نعم، هناك عوائل كانت البطاقة التموينية وما زالت تسد جانبا مهما من قوتها، وهي على غير استعداد للتخلي عنها، خصوصا وان الحكومة تتخلى تدريجيا وعلى نحو ممنهج عن تقديم الخدمات الاساسية المطلوبة للمواطنين .
لا غرابة في ان يقول البعض البطران المتخم: لم هذه الضجة؟ وهل البطاقة التموينة لها قيمة اساسا كي يثار كل هذا حولها ؟!
لا غرابة .. فهذا البعض الذي يكاد يختنق من الشبع ، وياليت ما يأكله حلال ، لا يعرف او هو يتجاهل اصلا ان نسبة الفقر كما تقول الاحصائيات الرسمية، قد تصل الى 45 في المائة، كما لا يعرف ان نسبة البطالة تبلغ 25 في المائة حسب المصادر الرسمية، وربما هي في الواقع اكثر من هذا بكثير .
يضاف الى ما ذكر اعلاه عجز الدولة عن توفير الخدمات الاساسية ، بل وتخليها عن بعضها، ومن ذلك الكهرباء والماء والنقل. واخذ الامر بعدا مأساويا في الواقع التعليمي والصحي . وان تصريحات وزير الصحة واضحة بشأن عدم قدرة الوزارة على تأمين الادوية الضرورية ومنها المضادة للسرطان، كون المطلوب هو تخصيص اكثر من ملياري دولار لتغطية ذلك، في حين لم تستلم الوزارة الا نصف هذا المبلغ ! وينطبق هذا ايضا على تخصيصات البطاقة التموينية، التي تراجعت من اربعة ترليونات الى ترليون ونصف ترليون في موازنة 2019 ، وربما كان البعض يريد ان يلغيها اصلا.
هذه الارقام تشير الى ان الامر لا يتعلق بهذا الشخص او ذاك، في هذه الوزارة او تلك ، بقدر ما تؤشر نهجا حكوميا في التخلي عن الكثير من القضايا الخدمية التي تقدمها الدولة، وترك المواطن يقف وحيدا عاريا في مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة وشح الخدمات وندرتها وشدة وطأة البطالة .
هنا لا ينفع الكلام المعسول عن دعم الفئات والطبقات المهمشة والفقيرة، فهذه الارقام وغيرها مما جاء في الموازنة، تتحدث بوضوح وصراحة عن التوجهات، والى اية خيارات يراد دفع بلدنا! فمن يصل دخله الشهري الى عشرات الملايين ، لا يشعر او يحس بمعاناة مواطن دخله لا يتجاوز 400 الف دينار شهريا؟!
نعم، محق تماما من يسخر من مثل هذه الخطوات والاجراءات البائسة ، فيما يزحف الجوع والمرض والامية على الملايين الفقيرة والمعدمة وحتى محدودة الدخل، والتي تأبى الا ان تبقى نظيفة الايادي!

عرض مقالات: