نظمت نقابة المعلمين يومي 17 و 18/2/2019، اوسع اضراب شهده العراق بعد 2003، حيث شمل اغلب محافظات العراق من الموصل شمالا حتى البصرة جنوبا، واسهم فيه ما يقارب 750 ألف تدريسي وتربوي. كذلك شهد قطاع الصحة في بعض المحافظات اضرابا تزامن مع اضراب المعلمين، ويعد الاول ايضا من حيث سعة المشاركة وحسن التنظيم.

والملفت ان مطالب المضربين في قطاعي التعليم والصحة لم تنحصر في الجانب المهني الخاص بكل قطاع، مثل تحسين المستوى المعيشي وتعديل سلم الرواتب وتحريك التسكين، وحسم تعيين موظفي العقود المؤقتة، كذلك صرف مخصصات بدل العدوى والخطورة بالنسبة للقطاع الصحي، رغم مشروعية هذه المطالب وأحقيتها. فقد رُفعت الى جانبها مطالب بتحسين البيئة التعليمية والصحية، مثل تحسين المناهج وتطوير طرق التدريس بما يتلاءم مع التقدم العلمي والتكنولوجي، وتأهيل الابنية المدرسية. وفي المجال الصحي وضعت قضية توفير الادوية والمستلزمات الطبية في مقدمة المطالب. وقد عبّر هذا عن ادراكٍ للمسؤولية الملقاة على عاتقهم، وبرهن على وعي وطني ديمقراطي وحرص عالٍ، والتزام بالمهنية.

وتأتي المطالب العامة التي عبّر عنها العاملون في قطاعي التعليم والصحة ضمن شروط التنمية التي يدخل العنصر البشري في أولويات حساباتها، حسبما يتفق علماء الادارة والاقتصاد والاجتماع. وقد صارت التنمية بمفهومها الشامل، وبأبعادها السياسية والاقتصادية - الاجتماعية، مطلباً لا غنى عنه. فهي الجسر الذي تعبره المجتمعات النامية نحو بلوغ التقدم والرفاهية. وان التنمية البشرية هي أهم ركائز التنمية المستدامة، وقد تأكد منذ مطلع الألفية الجديدة أن الدول التي انطلقت من كونها نامية إلى مستوى دول متقدمة، ما كان بوسعها أن ترتقي لولا تركيزها على بناء القدرات البشرية.

فأين العراق من بناء القدرات البشرية؟

كلنا نعلم ان ثالوث التخلف يجمع الفقر والمرض والامية، وكلنا نسمع العاملين في قطاعي صحة والتعليم يدقون ناقوس الخطر، فما الذي يمكن ان نقول عن الفاقة والبؤس، وانتشار العشوائيات معدومة الخدمات، ومدن الصفيح واحياء المهمشين المحيطة باغلب المحافظات العراقية؟ 

تكفي مراجعة سريعة لاحصائيات وزارة التخطيط المتعلقة بخط الفقر، لنعرف حجم الكارثة الانسانية التي دفعت طغمة الفساد العراقيين اليها. فرغم الحديث المتكرر عن محنة الفئات الضعيفة في المجتمع، وأهمية مراعاتها، وضرورة دعمها، نجد معطيات إحصائية عن حجم الفقر وآثاره، تثير اشد القلق، وهذا يستدعي التحرك العاجل لتأمين المعالجات الضرورية.

بالتأكيد لا يمكن لنصف كيلو العدس الذي اضيف اخيرا الى الحصة التموينية، ان يسهم في درء العوز والفاقة التي يعيشها ملايين العراقيين. فمعالجة المشكلة غير ممكنة من دون تبني إستراتيجية اقتصادية، تضع في الحساب القضاء على البطالة والفقر، وتعمل على رفع مستوى معيشة السكان عبر بناء اقتصاد متنوع، يعتمد على الزراعة والصناعة والسياحة، وفق دراسة واقعية ومسؤولة، تأخذ في الاعتبار موارد واقتصاديات العراق وإمكانياته، وهذا ما لم يتم التركيز عليه عند اعداد موازنة 2019.

عرض مقالات: