التفاوت في المداخيل، وتفاقم مشكلة الأبنية المدرسة أجبرت الناس على أمر لم يكن شائعاً في السابق، ألا وهو إلحاق أبنائهم بـ (المدارس الأهلية). وبالتأكيد فإن غياب المدارس الاهلية كان أمراً غريباً، إذ ليس من المعقول أن توضع محددات على هذا النشاط الذي يساهم بالفعل في حل أزمة التربية والتعليم الأولي الابتدائي والثانوي في العراق. الأصل هو حرية الناس في اختيار السبيل الذي يريدونه لأبنائهم كي يتعلّموا. لكننا نتحدث هنا عن اختيار، وليس عن اضطرار. فحين تغيب المدرسة الحكومية اللائقة والسليمة والمناسبة، والتي تمنح الطلاب بالفعل جرعة تربية وتعليم وتأهيل، يغدو اللجوء الى التعليم الأهلي(قطاع خاص) اضطرارا بائناً، لأن البديل الحكومي غير متوفر، أو انه لا يلبي الطموح.

العلّة في العملية التربوية لا تنحصر في ضعف الرواتب التي يستلمها المعلّمون والمدرّسون. بل تنطلق في الأصل من ضعف قدرة المؤسسة التعليمية على تقديم خدمات التعليم وهي متخمة بالمناهج المربكة، والأعداد الضخمة من الموظفين(من غير المعلّمين)الذين يستلمون رواتب حكومية ايضاً لقاء عمل غير ظاهر في تأثيره. الى جانب مشكلة أزلية تتعلق بالرغبة العارمة في التنقّل والعمل بالقرب من أماكن السكن، وهي عملية تقترب من المستحيل، إذ تصبح الأطراف في هذه الحالة فقيرة جداً وتحتاج الى أعداد إضافية من المعلمين والمدرسين، بينما تصبح المراكز متخمة بأعدادهم.

حين نتحدث عن تراجع قيمة المدرسة الحكومية ودورها الفعلي في العمل التربوي، علينا ان نبدأ من هذه المعطيات كلها، لا أن نبدأ من راتب المعلّم باعتباره راتباً ضئيلاً ويجب زيادته.

صحيح، أن الرواتب الحكومية فيها تمايز غير مبرر في بعض الأحيان. وصحيح أن معدّلات رواتب معلمي وزارة التربية هي من أدنى المستويات بين رواتب موظفي الدولة، إلّا انها ليست المشكلة الرئيسة ولا المشكلة الوحيدة. هذا يعني أن حلّها لن يعود بالنفع الحقيقي على سير العملية التربوية التي تحتاج الى البناية المدرسية أولاً، والى الملاك الكافي في المكان الجغرافي الحقيقي والمحتاج له. ثم بعد ذلك نفتح ملف المناهج التي تتغير كل سنة لأسباب غير مفهومة، أو لأسباب تتعلق بالرغبة في طباعة المزيد من الكتب في مقابل إتلاف كميات ضخمة من مطبوعات السنة الفائتة. هذه الملفات(كلّها)تعاضدت بالضّد لإنتاج عملية تربوية نوعية. فهل تضمّنت مطالب المعلمين هذه الجوانب، أم إن الحديث يدور حول الرواتب الضعيفة فقط؟

عرض مقالات: