ليس خافيًا أنَّ أهاليَ البصرة قدر لهم أنْ يكونوا منذ عقود عدة في مواجهةٍ دائمة مع مشكلة النقص الحاد في مياه الشرب، فضلًا عن تدني جودتها وعدم صلاحيتها للاستخدامات المنزلية، فمن المعلوم أنَّ ندرة المياه الصالحة للشرب باتت تؤرق أبناء المدينة التي تُعَدّ رغيف العراق، ولاسيما في فصل الصيف. وأدهى من ذلك تأكيد بعض مفاصل الحكومة المحلية مؤخرًا إصابة عدد من الحيوانات بالعمى؛ نتيجة ارتفاع نسبة الملوحة بشكل يفوق التوقعات في مياه شط العرب.

لعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو تأكيد السلطات المحلية في محافظة البصرة أن حصة المحافظة من أطلاقات المياه الواصلة الى شط العرب قليلة جدا، ولا تكفى لسد ما تباين من حاجاتها، ما أفضى إلى المساهمة بزيادة نسبة الملوحة فيه. ويضاف إلى ذلك وجود نقص في كميات المياه الواصلة من مشروع ماء البدعة إلى محطات الإسالة في المحافظة، الأمر الذي فرض على إدارة مديرية ماء المحافظة الركون إلى اعتماد أسلوب المناوبة في ضخ المياه بشبكة الإسالة على الكثير من أحياء المحافظة الغنية بالنفط ومناطقها السكنية، والذي يشار إليه محليًا باسم " نظام المراشنة ".

ليس خافيًا أنَّ مدينةَ البصرة التي لم يتسنّ لها نفض غبار أيام المحنة عن أغلب فضاءاتها، ولاسيما ما خلفته حروب النظام السابق العبثية من آثار جسيمة على بناها التحتية، فواقع الحال يشير إلى أنها ما تزال بعيدة عن أي أفق لحل المتوارث من ازمة مياه الشرب؛ إذ تفاقمت أزمة مياه الشرب بعموم مناطق المحافظة في هذا الموسم بسبب التلوث الحاصل في مياه شط العرب، وارتفاع نسب الملوحة فيه. وليس أدل على ذلك من إعلان دائرة صحة محافظة البصرة قبل أيام قليلة، عن تسمم نحو أربعة آلاف شخص نتيجة المياه الملوثة التي تنقلها المركبات الحوضية التي وفرتها الحكومة لحل مشكلة المياه بالمحافظة، فضلًا عن إشارتها إلى أنَّ نسبةَ الكلور - المستخدم لتعقيم المياه - في معظم محطات التحلية هي صفر بالمئة. كذلك أكدت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق خطورة الأوضاع التي تمر بها محافظة البصرة في الوقت الحاضر المتأتية من ارتفاع اللسان الملحي وزيادة التلوث في المياه، إلى جانب مطالبتها الجهات المعنية إعلان محافظة البصرة مدينة منكوبة بسبب ما تشهده من كارثة بيئية وارتفاع نسبة الملوحة في المياه، بالإضافة إلى نقص الأدوية!.

يبدو أنَّ إجراءات الحكومة المحلية في البصرة لم ترتقِ إلى مستوى أزمة الخدمات التي يعيش تحت وطء شدتها المواطن البصري. ولا أدل على ذلك من حالة الإحباط التي خيمت على الشارع البصري بفعل خيبة مجلس المحافظة عقد جلسة طارئة لبحث مطالب المتظاهرين؛ نتيجة عدم اكتمال النصاب المتأتي من سفر عدد من أعضاء المجلس خارج البلاد!.

في أمان الله.

عرض مقالات: